Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 124-124)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الابتلاء الاختبار . أى . اختبره ربه - تعالى - بما كلفه به من الأوامر والنواهى ، ومعنى اختبار الله - تعالى - لعبده ، أن يعامله معاملة المختبر مجازاً ، إذ حقيقة الاختبار محالة عليه - تعالى - لعلمه المحيط بالأشياء والله - تعالى - تارة يختبر عباده بالضراء ليصبروا . وتارة بالسراء ليشكروا وفى كلتا الحالتين تبدو النفس البشرية على حقيقتها . وفى إسناد الابتلاء إلى الرب إشعار للتالى أو للسامع بأنه ابتلاه بما ابتلاه به تربية له ، وتقوية لعزمه ، حتى يستطيع النهوض بعظائم الأمور . وقد اختلف المفسرون فى تعيين المراد بالكلمات التى اختبر الله بها نبيه إبراهيم - عليه السلام - على أقوال كثيرة . قال ابن جرير " ولا يجوز الجزم بشىء مما ذكروه منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو إجماع . قال ولم يصح فى ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذى يجب التسليم له ، ولعل أرجح الآراء فى المراد بهذه الكلمات ، أنها الأوامر التى كلفه الله بها ، فأتى بها على أتم وجه " . وقوله { فَأَتَمَّهُنَّ } أى أتى بهن على الوجه الأكمل ، وأداهن أداء تاماً يليق به - عليه السلام - ولذا مدحه الله بقوله { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } وجىء بالفاء فى { فَأَتَمَّهُنَّ } للدلالة على الفور والامتثال . وذلك من شدة العزم ، وقوة اليقين . وفى إجمال القرآن لتلك الكلمات التى امتحن الله بها إبراهيم ، وفى وصفه له بأنه أتمهن ، إشعار بأنها من الأعمال التى لا ينهض بها الا ذو عزم قوى يتلقى أوامر ربه بحسن الطاعة وسرعة الامتثال . وقدم المفعول وهو لفظ إبراهيم لأن المقصود تشريف إبراهيم بإضافة اسم الرب إلى اسمه مع مراعاة الإِيجاز ، فلذلك لم يقل وإذ ابتلى الله ابراهيم . وجملة { قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً } مستأنفة لبيان ما من الله به على إبراهيم من الكرامة ورفعة المقام ، بعد أن ذكر - سبحانه - أنه عامله معاملة المختبر له ، إذ كلفه بأمور شاقة فأحسن القيام بها . جاعلك من جعل يعنى صير . والإِمام القدوة الذى يؤتم به فى أقواله وأفعاله . والمراد بالإِمامة هنا الرسالة والنبوة ، فإنهما أكمل أنواع الإِمامة ، والرسول أكمل أفراد هذا النوع ، وقد كان إبراهيم - عليه السلام - رسولا يقتدى به الناس فى أصول الدين ومكارم الأخلاق . وقال { قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً } ولم يقل " إنى جاعلك للناس رسولا ، ليكون ذلك دالا على أن رسالته تنفع الأمة المرسل إليها بطريق التبليغ ، وتنفع غيرهم من الأمم بطريق الاقتداء ، فإن إبراهيم - عليه السلام - قد رحل إلى آفاق كثيرة ، فانتقل من بلاد الكلدان إلى العراق ، وإلى الشام ، وإلى الحجاز ، وإلى مصر وكان فى جميع منازله أسوة حسنة لغيره . وقد مدح القرآن إبراهيم فى كثير من آياته ، ومن ذلك قوله تعالى { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } وجملة { قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي } واقعة موقع الجواب عما من شأنه أن يخطر فى نفس السامع ، فكأنه قال وماذا كان من إبراهيم عندما تلقى من ربه تلك البشارة العظمى ؟ فكان الجواب أن إبراهيم قد التمس الإِمامة لبعض ذريته أيضاً . أى قال إبراهيم واجعل يا رب من ذريتى أئمة يقتدى بهم . وقد رد الله - تعالى - على قول إبراهيم بقوله { قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } . وإنما قال إبراهيم ومن ذريتى ولم يقل وذريتى ، لأنه يعلم أن حكمة الله من هذا العالم لم تجر بأن يكون جميع نسل أحد ممن يصلحون لأن يقتدى بهم فلم يسأل ما هو غير مألوف عادة ، لأن سؤال ذلك ليس من آداب الدعاء . أى قال الله لإِبراهيم قد أجبتك وعاهدتك بأن أحسن إلى ذريتك لكن لا يصيب عهدى الذى عهدته إليك بالإِمامة الذين ظلموا منهم ، فالعهد هنا بمعنى الإِمامة المشار إليها فى قوله { جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً } . وفى هذه الجملة الكريمة إيجاز بديع ، إذ المراد منها إجابة طلب إبراهيم من الإِنعام على بعض ذريته بالإِمامة كما قال - تعالى - { وَجَعَلْنَا فى ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ } ولكنها تدل صراحة على أن الظالمين من ذريته ليسوا أهلا لأن يكونوا أئمة يقتدى بهم ، وتشير إلى أن غير الظالمين منه قد تنالهم النبوة ، وقد نالت من ذريته إسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وغيرهم من الأنبياء . قال - تعالى - { وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ } ثم تحدث القرآن بعد ذلك عن مكانة البيت الحرام ، وعن قصة بنائه ، وعن الدعوات الخاشعات التى كان إبراهيم يتضرع بها إلى الله عند رفعه البيت فقال { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ … إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } .