Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 19-24)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ … } روايات أشار الإِمام ابن كثير إلى معظمها فقال " ثبت فى الصحيحين عن أبى ذر أنه كان يقسم قسماً أن هذه الآية { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ } نزلت فى حمزة وصاحبيه . وعتبة وصاحبيه ، يوم برزوا فى بدر . وعن قتادة قال اختصم المسلمون وأهل الكتاب ، فقال أهل الكتاب نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، فنحن أولى بالله منكم ، وقال المسلمون كتابنا يقضى على الكتب كلها ، ونبينا خاتم الأنبياء ، فنحن أولى بالله منكم ، فأفلج الله الإِسلام على من ناوأه - أى فنصر الله الإِسلام - ، وأنزل الآية . وعن مجاهد فى الآية مثل الكافر والمؤمن اختصما فى البعث . وهذا القول يشمل الأقوال كلها ، وينتظم فيه قصة بدر وغيرها ، فإن المؤمنين يريدون نصرة دين الله ، والكافرون يريدون إطفاء نور الإِيمان . أى هذا خصمان اختصموا فى ذات ربهم وفى صفاته ، بأن اعتقد كل فريق منهم أنه على الحق ، وأن خصمه على الباطل . قال الجمل والخصم فى الأصل مصدر ولذلك يوحد ويذكر غالبا ، وعليه قوله - تعالى - { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } ويجوز أن يثنى ويؤنث ، ولما كان كل خصم فريقا يجمع طوائف قال { ٱخْتَصَمُواْ } بصيغة الجمع كقوله - تعالى - { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } فالجمع مراعاة للمعنى . وقوله - سبحانه - { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ … } تفصيل وبيان لحال كل خصم وفريق . أى فالذين كفروا جزاؤهم أنهم قطع الله - تعالى - لهم من النار ثيابا ، وألبسهم إياها . قال الآلوسى أى أعد الله لهم ذلك ، وكأنه شبه إعداد النار الحيطة بهم بتقطيع ثياب وتفصيلها لهم على قدر جثثهم . ففى الكلام استعارة تمثيلية تهكمية ، وليس هناك تقطيع ثياب ولا ثياب حقيقة . وكأن جميع الثياب للإِيذان بتراكم النار المحيطة بهم ، وكون بعضها فوق بعض … وعبر بالماضى ، لأن الإِعداد قد وقع ، فليس من التعبير بالماضى لتحققه … وقوله { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } زيادة فى عذابهم ، أى لم تقطع لهم ثياب من نار فحسب ، وإنما زيادة على ذلك يصب من فوق رءوسهم " الحميم " أى الماء البالغ أقصى درجات الشدة فى الحرارة . وقوله { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } بيان للآثار التى تترتب على هذا العذاب . والفعل " يصهر " مأخوذ من الصهر بمعنى الإِذابة . يقال صهر فلان الشحم يصهره إذا أذابه . أى فذلك الحميم الذى يصب من فوق رءوسهم من آثاره أنه يذاب به ما بطونهم من الشحوم والأحشاء . كما تذاب به جلودهم - أيضا - فقوله { وَٱلْجُلُودُ } عطف على { مَا } الموصولة فى قوله { مَا فِي بُطُونِهِمْ } أى يذاب به الذى فى بطونهم وتذاب به أيضا جلودهم . وقيل إن لفظ الجلود مرفوع بفعل محذوف معطوف على " يصهر " . والتقدير يصهر به ما فى بطونهم من أحشاء وشحوم ، وتحرق به الجلود . قالوا وذلك لأن الجلود لا تذاب وإنما تنقبض وتنكمش إذا أصليت بالنار . والضمير فى قوله - سبحانه - { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } يعود إلى الكفرة المعذبين بهذا الحميم الذى تصهر به البطون . والمقامع جمع مقمعة - بكسر الميم وسكون القاف وفتح الميم الثانية - ، وهى آلة تستعمل فى القمع عن الشىء ، والزجر عنه ، يقال قمع فلان فلانا إذا قهره وأذله . أى وخصصت لهؤلاء الكافرين مضارب من حديد تضربهم بها الملائكة على رءوسهم زيادة فى إذلالهم وقهرهم . وقيل إن الضمير فى " لهم " يعود على خزنة النار . أى ولخزنة النار مضارب من حديد يضربون بها هؤلاء الكافرين . وعلى كلا القولين فالآية الكريمة تصور هوان هؤلاء الكافرين أكمل تصوير . وقوله - سبحانه - { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا } بيان لما يقابلون به عندما يريدون التزحزح عن النار . أى كلما أراد هؤلاء الكافرون أن يخرجوا من النار ومن غمها وكربها وسعيرها أعيدوا فيها مرة أخرى ، كما قال - تعالى - { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } وقوله - تعالى - { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } مقول لقول محذوف أى أعيدوا فيها وقيل لهم على لسان خزنة النار ذوقوا العذاب المحرق لأبدانكم . هذا هو حال فريق الكافرين . وهو حال يزلزل القلوب ويرهب المشاعر ، ويفزع النفوس . ولكن القرآن كعادته فى قرن الترهيب بالترغيب . لا يترك النفوس فى هذا الفزع ، بل يتبع ذلك بما يمسح عنها خوفها ورعبها عن طريق بيان حسن حال المؤمنين فيقول { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ … } . وغير - سبحانه - الأسلوب فلم يقل والذين آمنوا على سبيل العطف على الذين كفروا … تعظيم لشأن المؤمنين ، وإشعار بمباينة حالهم لحال خصمائهم الكافرين . أى إن الله - تعالى - بفضله وإحسانه يدخل عباده الذين آمنوا وعملوا فى دنياهم الأعمال الصالحات ، جنات عاليات تجرى من تحت أشجارها وثمارها الأنهار . وقوله { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } بيان لما ينالون فى تلك الجنات من خير وفير ، وعطاء جزيل . أى يتزينون فى تلك الجنات بأساور كائنة من الذهب الخالص ، ومن اللؤلؤ الثمين ، أما لباسهم الدائم فيها فهو من الحرير الناعم الفاخر . قال الآلوسى وقوله - تعالى - { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } غير الأسلوب حيث لم يقل ويلبسون فيها حريرا ، للإِيذان بأن ثبوت اللباس لهم أمر محقق غنى عن البيان … ثم إن الظاهر أن هذا الحكم عام فى كل أهل الجنة ، وقيل هو باعتبار الأغلب ، لما أخرجه النسائى وابن حيان وغيرهما عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة . وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه " . قالوا ومحله فيمن مات مصرا على ذلك . وقوله - تعالى - { وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ } بيان لحسن خاتمتهم ، ولعظم النعم التى أنعم الله بها عليهم . أى وهدى الله - تعالى - هؤلاء المؤمنين إلى القول الطيب الذى يرضى الله - تعالى - عنهم ، كأن يقولون عند دخولهم الجنة { … ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } وهداهم - أيضا - خالقهم إلى الصراط المحمود ، وهو صراط الذين أنعم الله عليهم بنعمة الإِيمان والإِسلام ، فصاروا بسبب هذه النعمة يقولون الأقوال الطيبة ، ويفعلون الأفعال الحميدة . قال الشوكانى قوله { وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ … } أى أرشدوا إليه . قيل هو لا إله إلا الله . وقيل القرآن . وقيل هو ما يأتيهم من الله من بشارات . وقد ورد فى القرآن ما يدل على هذا القول المجمل هنا ، وهو قوله - سبحانه - { ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ … } { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا … } { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ … } ومعنى { وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ } أنهم أرشدوا إلى الصراط المحمود وهو طريق الجنة ، أو صراط الله الذى هو دينه القويم وهو الإِسلام . وبعد هذا الحديث المؤثر عن الخصمين وعن عاقبة كل منهما … جاء الحديث عن المسجد الحرام ، وعن مكانته ، وعن الأمر ببنائه ، وعن وجوب الحج إليه ، وعن المنافع التى تعود على الحجاج ، وعن سوء مصير من يصد الناس عن هذا المسجد ، جاء قوله - تعالى - { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ … } .