Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 53-56)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الفاء فى قوله - تعالى - { فَتَقَطَّعُوۤاْ } لترتيب حالهم وما هم عليه من تفرق وتنازع واختلاف ، على ما سبق من أمرهم بالتقوى ، واتباع ما جاءهم به الرسل . وضمير الجمع يعود إلى الأقوام السابقين الذين خالفوا رسلهم ، وتفرقوا شيعاً وأحزاباً . وقوله { زُبُراً } حال من هذا الضمير . ومفرده زُبْرَة - كغرفة - بمعنى قطعة . والمراد به هنا طائفة من الناس . والمراد بأمرهم أمر دينهم الذى هو واحد فى الأصل . أى أن هؤلاء الأقوام الذين جاء الرسل لهدايتهم ، لم يتبعوا دين رسلهم بل تفرقوا فى شأنه شيعاً وأحزاباً ، فمنهم أهل الكتاب الذين قال بعضهم عزير ابن الله ، وقال بعضهم المسيح ابن الله ، ومنهم المشركون الذين عبدوا من دون الله - تعالى - أصناماً لا تضر ولا تنفع ، وصار كل حزب من هؤلاء المعرضين عن الحق ، مسروراً بما هو عليه من باطل ، وفرحاً بما هو فيه من ضلال . والآية القرآنية بأسلوبها البديع ، تسوق هذا التنازع من هؤلاء الجاهلين فى شأن الدين الواحد ، فى صورة حسية ، يرى المتدبر من خلالها ، أنهم تجاذبوه فيما بينهم ، حتى قطعوه فى أيديهم قطعاً ، ثم مضى كل فريق منهم بقطعته وهو فرح مسرور ، مع أنه - لو كان يعقل - لما انحدر إلى هذا الفعل القبيح ، ولما فرح بعمل شىء من شأنه أن يحزن له كل عاقل . والخطاب فى قوله - تعالى - { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ } للرسول صلى الله عليه وسلم والضمير المنصوب " هم " للمشركين . والغمرة فى الأصل الماء الذى يغمر القامة ويسترها ، إذ المادة تدل على التغطية والستر . يقال غمر الماء الأرض إذا غطاها وسترها . ويقال هذا رجل غُمْر - بضم الغين وإسكان الميم - إذا غطاه الجهل وجعله لا تجربة له بالأمور . ويقال هذا رجل غِمْر - بكسر الغين - إذا غطى الحقد قلبه والمراد بالغمرة هنا الجهالة والضلالة ، والمعنى لقد أديت - أيها الرسول - الرسالة ، ونصحت لقومك . وبلغتهم ما أمرك الله - تعالى - بتبليغه ، وعليك الآن أن تترك هؤلاء الجاحدين المعاندين فى جهالاتهم وغفلتهم وحيرتهم { حَتَّىٰ حِينٍ } أى حتى يأتى الوقت الذى حددناه للفصل فى أمرهم بما تقتضيه حكمتنا . وجاء لفظ " حين " بالتنكير ، لتهويل الأمر وتفظيعه . ثم تأخذ السورة الكريمة بعد ذلك فى السخرية منهم لغفلتهم عن هذا المصير المحتوم ، الذى سيفاجئهم بما لا يتوقعون . فيقول { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } . والهمزة فى قوله { أَيَحْسَبُونَ } للاستفهام الإِنكارى . و " ما " موصولة ، وهى اسم " أن " وخبرها جملة " نسارع لهم . … " والرابط مقدر أى به . أى أيظن هؤلاء الجاهلون . أن ما نعطيهم إياه من مال وبنين ، هو من باب المسارعة منا فى إمدادهم بالخيرات لرضانا عنهم وإكرامنا لهم ؟ كلا ما فعلنا معهم ذلك لتكريمهم ، وإنما فعلنا ذلك معهم لاستدراجهم وامتحانهم ، ولكنهم لا يشعرون بذلك . ولا يحسون به لانطماس بصائرهم ولاستيلاء الجهل والغرور على نفوسهم . فقوله - سبحانه - { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } إضراب انتقالى عن الحسبان المذكور وهو معطوف على مقدر ينسحب إليه الكلام . أى ما فعلنا ذلك معهم لإكرامنا إياهم كما يظنون ، بل فعلنا ما فعلنا استدارجا لهم ، ولكنهم لا شعرو لهم ولا إحساس ، وما هم إلا كالأنعام بل هم أضل . لذا قال بعض الصالحين من يعص الله - تعالى - ولم ير نقصاناً فيما أعطاه - سبحانه - من الدنيا . فليعلم أنه مستدرج قد مكر به . وشبيه بهاتين الآيتين قوله - تعالى - { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } وبعد أن صورت السورة الكريمة حالة أصحاب القلوب التى غمرها الجهل والعمى ، أتبعت ذلك بإعطاء صورة وضيئة مشرقة لأصحاب القلوب الوجلة المؤمنة ، المسارعة فى الخيرات فقال - تعالى - { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم … } .