Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 34-42)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أى قال فرعون للملأ المحيطين به - بعد أن زلزلته معجزة موسى - { إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } . أى لساحر بارع فى فن السحر ، فهو مع اعترافه بضخامة ما أتى به موسى ، يسميه سحرا . ثم يضيف إلى ذلك قوله لهم { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ } هذا الساحر { مِّنْ أَرْضِكُمْ } التى نشأتم عليها { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } أى فبأى شىء تشيرون على وأنتم حاشيتى ومحل ثقتى ؟ وفى هذه الجملة الكريمة تصوير بديع لنفس هذا الطاغية وأمثاله … إنه منذ قليل كان يرغى ويزبد . وإذا به بعد أن فاجأه موسى بمعجزته ، يصاب بالذعر ويقول لمن زعم أنه ربهم الأعلى { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } . وهكذا الطغاة عندما يضيق الخناق حول رقابهم يتذللون ويتباكون … فإذا ما انفك الخناق من حول رقابهم ، عادوا إلى طغيانهم وفجورهم . ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال " ولقد تحير فرعون لما أبصر الآيتين ، وبقى لا يدرى أى طرفيه أطول ، حتى زل عنه ذكر دعوى الألوهية ، وحط عن منكبيه كبرياء الربوبية . وارتعدت فرائصه ، وانتفخ سَحَره - أى رئته - خوفا وفرقا ، وبلغت به الاستكانة لقومه الذين هم بزعمه عبيده وهو إلههم أن طفق يؤامرهم ويعترف لهم بما حذر منه وتوقعه وأحس به من جهة موسى - عليه السلام - " . ورد الملأ من قوم فرعون عليه بقولهم { أَرْجِهْ وَأَخَاهُ } أى أخر أمرهما ، يقال أرجأت هذا الأمر وأرجيته . إذا أخرته . ومنه أخذ لفظ المرجئة لتلك الفرقة التى تؤخر العمل وتقول لا يضر مع الإِيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة . { وَٱبْعَثْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } أى وابعث فى مدن مملكتك رجالا من شرطتك يحشرون السحرة ، أى يجمعونهم عندك لتختار منهم من تشاء . وقوله { يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ } مجزوم فى جواب الأمر . أى إن تبعثهم يأتوك بكل سحار فائق فى سحره ، عليم بفنونه ومداخله . ولبى فرعون طلب مستشاريه ، فأرسل فى المدائن من يجمع له السحرة { فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ } أى المعرفون ببراعتهم فيه { لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } أى جمعوا وطلب منهم الاستعداد لمنازلة موسى - عليه السلام - فى وقت معين هو " يوم الزينة " أى يوم العيد . كما قال - تعالى - فى آية أخرى { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } ثم حكى - سبحانه - ما فعله أعوان فرعون من حض الناس على حضور تلك المباراة فقال { وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ } أى فى ذلك اليوم المعلوم الذى ينازل فيه السحرة موسى فالمقصود بالاستفهام الحض على الحضور والحث على عدم التخلف . والترجى فى قولهم { لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلْغَالِبِينَ } المقصود به - أيضا - حض السحرة على بذل أقصى جهدهم ليتغلبوا على موسى - عليه السلام - ، فكأنهم يقولون لهم ابذلوا قصارى جهدكم فى حسن إعداد سحركم فنحن نرجو أن تكون الغلبة لكم ، فنكون معكم لا مع موسى - عليه السلام - . ثم يحكى القرآن بعد ذلك ما قاله السحرة لفرعون عند التقائهم به فيقول { فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ } بعد أن التقى بهم ليشجعهم على الفوز ، { أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً } مجزيا { إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } لموسى - عليه السلام - . وهنا يرد عليهم فرعون ، فيعدهم . ويمنيهم { قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } . أى نعم لكم الأجر العظيم الذى يرضيكم ، وفضلا عن ذلك فستكونون عندى من الرجال المقربين إلى نفسى ، والذين سأخصهم برعايتى ومشورتى . وهكذا يعد فرعون السحرة ويمنيهم { وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك ما قاله موسى للسحرة ، وما قال فرعون لهم بعد أن أعلنوا إيمانهم ، فقال - تعالى - { قَالَ لَهُمْ … } .