Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 27-31)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } … لتقرير ما قبله ، من أن اختلاف الناس فى عقائدهم وأحوالهم أمر مطرد ، وأن هذا الاختلاف موجود حتى فى الحيوان والحجارة والنبات … قال الآلوسى ما ملخصه قوله - تعالى - { أَلَمْ تَرَ … } هذه الكلمة قد تذكر لمن تقدم علمه فتكون للتعجب ، وقد تذكر لمن لا يكون كذلك ، فتكون لتعريفه وتعجيبه ، وقد اشتهرت فى ذلك أجريت مجرى المثل فى هذا الباب ، بأن شبه من لم ير الشئ ، بحال من رآه . فى أنه لا ينبغى أن يخفى عليه ، ثم أجرى الكلام معه . كما يجرى مع من رأى ، قصداً إلى المبالغة فى شهرته … " . والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من يتأتى له الخطاب ، بتقرير دليل من أدلة القدرة الباهرة . والمعنى لقد علمت - أيها العاقل - علماً لا يخالطه شك ، أن الله - تعالى - أنزل من السماء ماء كثيراً ، فأخرج بسببه من الأرض ، ثمرات مختلفاً ألوانها . فبعضها أحمر ، وبعضها أصفر ، وبعضها أخضر … وبعضها حلو المذاق ، وبعضها ليس كذلك ، مع أنها جميعاً تسقى بماء واحد ، كما قال - تعالى - { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } وجاء قوله { فَأَخْرَجْنَا … } على أسلوب الالتفات من الغيبة إلى التكلم ، لإِظهار كمال الاعتناء بالفعل لما فيه من الصنع البديع المنبئ عن كمال القدرة والحكمة ، ولأن المنة بالإِخراج أبلغ من إنزال الماء . وقوله { مُّخْتَلِفاً } صفة لثمرات ، وقوله { أَلوانها } فاعل به . وقوله - تعالى - { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } معطوف على ما قبله ، لبيان مظهر آخر من مظاهر قدرته - عز وجل . قال القرطبى ما ملخصه " الجدد جمع جُدَّة - بضم الجيم - وهى الطرائق المختلفة الألوان " … والجُدَّة الخطة التى فى ظهر الحمار تخالف لونه . والجدة الطريقة والجمع جدد … أى طرائق تخاف لون الجبل ، ومنه قولهم ركب فلان جُدَّة من الأمر ، إذا رأى فيه رأيا " . وغرابيب جمع غربيب ، وهو الشئ الشديد السواد ، والعرب تقول للشئ الشديد السواد ، أسود غربيب . وقوله { سُودٌ } بدل من { وَغَرَابِيبُ } . أى أنزلنا من السماء ماء أخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ، وجعلنا بقدرتنا من الجبال قطعاً ذات ألوان مختلفة ، فمنها الأبيض ، ومنها الأحمر ، ومنها ما هو شديد السواد ، ومنها ما ليس كذلك ، مما يدل على عظيم قدرتنا . وبديع صنعنا … ثم بين - سبحانه - أن هذا الاختلاف ليس مقصوراً على الجبال فقال { وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ . … } . وقوله { مُخْتَلِفٌ } صفة لموصوف محذوف . وقوله { كَذَلِكَ } صفة - أيضاً - لمصدر محذوف ، معمول لمخلتف . أى ليس اختلاف الألوان مقصوراً على قطع الجبال وطرقها وأجزائها ، بل - أيضاً - من الناس والدواب والأنعام ، أصناف وأنواع مختلفة ألوانها اختلافاً ، كذلك الاختلاف الكائن فى قطع الجبال ، وفى أنواع الثمار . وإنما ذكر - سبحانه - هنا اختلاف الألوان فى هذه الأشياء ، لأن هذا الاختلاف من اعظم الأدلة على قدرة الله - تعالى - وعلى بديع صنعه . ثم بين - سبحانه - أولى الناس بخشية فقال { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } أى إنما يخاف الله - تعالى - ويخشاه ، العالمون بما يليق بذاته وصفاته ، من تقديس وطاعة وإخلاص فى العبادة ، أما الجاهلون بذاته وصفاته - تعالى - ، فلا يخشونه ولا يخافون عقابه ، لانطماس بصائرهم ، واستحواذ الشيطان عليهم ، وكفى بهذه الجملة الكريمة مدحاً للعلماء ، حيث قصر - سبحانه - خشيته عليهم . قال صاحب الكشاف فإن قلت هل يختلف المعنى إذا قدم المفعول فى هذا الكلام أو أخر ؟ قلت لا بد من ذلك ، فإنك إذا قدمت اسم الله ، وأخرت العلماء ، كان المعنى . إن الذين يخشون الله من عباده هم العلماء دون غيرهم ، وإذا علمت على العكس انقلب المعنى إلى أنهم لا يخشون إلا الله ، كقوله - تعالى - { وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ } وهما معنيان مختلفان . فإن قلت ما وجه اتصال هذا الكلام بما قبله ؟ قلت لما قال { أَلَمْ تَرَ } بمعنى ألم تعلم أن الله أنزل من السماء ماء ، وعدد آيات الله ، وأعلام قدرته ، وآثار صنعته … أتبع ذلك بقوله { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } كأنه قال إنما يخشاه مثلك ومن على صفتك ممن عرفه حق معرفته ، وعلمه كنه علمه . وعن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " أنا أرجو أن أكون أتقاكم لله وأعلمكم به " . وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } تعليل لوجوب الخشية ، لدلالته على أنه يعاقب على المعصية ، ويغفر الذنوب لمن تاب من عباده توبة نصوحاً . ثم مدح - سبحانه - المكثرين من تلاوة كتابه ، المحافظين على أداء فرائضه فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ … } . أى إن الذين يداومون على قراءة القرآن الكريم بتدبر لمعانيه ، وعمل بتوجيهاته ، { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } بأن أدوها فى مواقيتها بخشوع وإخلاص . { وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } أى وبذلوا مما رزقناكم من خيرات ، تارة فى السر وتارة فى العلانية . وجملة { يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } فى محل رفع خبر إن . والمراد بالتجارة ثواب الله - تعالى - ومغفرته . وقوله { تَبُورَ } بمعنى تكسد وتهلك . يقال بار الشئ يبور بورا وبوارا ، إذا هلك وكسد . أى هؤلاء الذين يكثرون من قراءة القرآن الكريم ، ويؤدون ما أوجبه الله - تعالى - عليهم ، يرجون من الله - تعالى الثواب الجزيل ، والربح الدائم ، لأنهم جمعوا فى طاعتهم له - تعالى - بين الإِكثار من ذكره ، وبين العبادات البدنية والمالية . واللام فى قوله { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ … } متعلقة بقوله { لَّن تَبُورَ } على معنى ، يرجون تجارة لن تكسد لأجل أن يوفيهم أجورهم التى وعدهم بها ، ويزيدهم فى الدنيا والآخرة من فضله ونعمه وعطائه . أو متعلقة بمحذوف ، والتقدير فعلوا ما فعلوا ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله { إِنَّهُ } - سبحانه - { غَفُورٌ } أى واسع المغفرة { شَكُورٌ } أى كثير العطاء لمن يطيعه ويؤدى ما كلفه به . ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات الكريمة ، بتثبيت فؤاد النبى صلى الله عليه وسلم ، وتسليته عما أصابه من أعدائه فقال { وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ } أى القرآن الكريم { هُوَ ٱلْحَقُّ } الثابت الذى لا يحوم حوله باطل . { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } أى أن من صفات هذا القرآن أنه مصدق لما تقدمه من الكتب السماوية . كالتوراة والإِنجيل . { إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } أى إن الله - تعالى - لمحيط إحاطة تامة بأحوال عباده ، مطلع على ما يسرونه وما يلعنونه من أقوال أو أفعال . وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أقامت ألواناً من الأدلة على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ، وأثنت على العلماء ، وعلى التالين للقرآن الكريم ، والمحافظين على أداء ما كلفهم الله - تعالى - ثناء عظيماً . ثم انتقلت السورة الكريمة إلى بيان أقسام الناس فى هذه الحياة . ووعدة المؤمنين الصادقين بجنات النعيم ، فقال - تعالى - { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ … يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } .