Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 27-28)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الآلوسى ما ملخصه " رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى المنام قبل خروجه إلى الحديبية ، أنه هو وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين ، وقد حلقوا وقصروا ، فقص الرؤيا على أصحابه ، ففرحوا واستبشروا ، وظنوا أنهم سيدخلونها فى عامهم هذا ، وقالوا إن رؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حق ، فلما تأخر ذلك قال بعض المنافقين - على سبيل التشكيك والاعتراض - والله ما حلقنا ولا قصرنا ، ولا رأينا المسجد الحرام ، فنزلت هذه الآية . وقد روى عن عمر - رضى الله عنه - أنه قال نحو ذلك - على سبيل الفهم والاستكشاف - ليزداد يقينه … والصدق يكون بالقول ويكون بالفعل ، وما فى الآية صدق بالفعل ، وهو التحقيق ، أى حقق - سبحانه - للرسول رؤيته … " . وقوله { بِٱلْحَقِّ } صفة لمصدر محذوف ، أى صدقا ملتبسا بالحق ، أو بمحذوف على أنه حال من الرؤيا ، أى رؤيا ملتبسة بالحق . والمعنى والله لقد أرينا رسولنا محمدا - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا الصادقة التى لا تتخلف ، ولا يحوم حولها ريب أو شك ، وحققنا له ما اشتملت عليه هذه الرؤيا من بشارات سارة ، وعطايا كريمة ، على حسب ما اقتضته حكمتنا وإرادتنا . وقوله { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ … } جواب لقسم محذوف وقوله { آمِنِينَ } وما بعده ، حال من فاعل { لَتَدْخُلُنَّ } … أى والله لتدخلن - أيها المؤمنون - المسجد الحرام فى عامكم المقبل إن شاء الله ، حالة كونكم آمنين من كل فزع ، وحالة كونكم بعضكم يحلق شعر رأسه كله ، وبعضكم يكتفى بقص جزء منه ، وحالة كونكم لا تخافون أذى المشركين بعد ذلك . وقوله { إِن شَآءَ ٱللَّهُ } فيه ما فيه من الإِشعار بأن الرؤيا مع صدقها ، تحقيقها موكول إلى مشيئة الله - تعالى - وإلى قدرته ، لا إلى أحد سواه ، وفيه ما فيه من تعليم الناس وإرشادهم إلى أنهم يجب عليهم أن يقولوا ذلك ويعتقدوه عند إرادتهم لفعل من الأفعال ، كما قال - تعالى - { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ … } قال بعض العلماء " إن الله - تالى - استثنى فيما يعلم ، ليستثنى الخلق فيما لا يعلمون " . ويرى بعضهم أن الاستثناء هنا لتحقيق الخبر وتأكيده . واستدل بعضهم بهذه الآية على أن الحلق غير متعين فى النسك ، بل يجزئ عنه التقصير ، إلا أن الحلق أفضل ، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " " اللهم اغفر للمحلقين " قالوا يا رسول الله ، والمقصرين ، قال اللهم اغفر للمحلقين ، قالوا يا رسول الله ، والمقصرين ، قال اللهم اغفر للمحلقين … ثم قال بعد الثالثة والمقصرين " . واستدل بها - أيضا - على أن التقصير للرأس دون اللحية ، ودون سائر شعر البدن ، إذ الظاهر أن المراد ومقصرين شعر رءوسكم . وقوله { لاَ تَخَافُونَ } تأكيد وتقرير لقوله { آمِنِينَ } أى آمنين عند دخولكم مكة للعمرة ولا تخافون بعد إتمامها ، لأن عناية الله - تعالى - ورعايته معكم … وقوله { فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } بيان للحكمة فى تأخير دخولهم مكة عام الحديبية ، وتمكينهم من دخولها فى العام الذى يليه . والجملة الكريمة معطوفة على قوله { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ … } أى والله لقد حقق الله - تعالى - لرسوله رؤياه فى دخول مكة ، ولكن فى الوقت الذى يشاؤه ويختاره وتقتضيه حكمته ، لأنه - تعالى - علم ما لم تعلموه أنتم من أن المصلحة فى عدم دخولكم مكة فى عام صلح الحديبية ، وأن هذا الصلح هو خير لكم من دخولها ، لما يترتب عليه من منافع كثيرة لكم ، وقد جعل - سبحانه - بفضله - وإحسانه { مِن دُونِ ذَلِكَ } أى من قبل دخولكم مكة ، وطوافكم بالمسجد الحرام { فَتْحاً قَرِيباً } هو فتح خيبر الذى خرجتم منه بالغنائم الوفيرة ، أو فتح خيبر ومعه صلح الحديبية ، الذى قال فيه الزهرى لا فتح فى الإِسلام كان أعظم من صلح الحديبية … هذا ، وقد بسط الإِمام ابن كثير ما أصابه المسلمون بعد صلح الحديبية من خيرات فقال ما ملخصه " ورجع الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية فى ذى القعدة من السنة السادسة … ثم خرج فى المحرم من السنة السابعة إلى خيبر ، ففتحها الله - تعالى - عليه … فلما كان فى ذى القعدة من السنة السابعة ، خرج إلى مكة معتمرا ، هو وأهل الحديبية ، فأحرم من ذى الحليفة ، وساق معه الهدى … وسار إلى مكة بالسيوف مغمدة فى قربها . فدخلها وبين يديه أصحابه يلبون ، وعبد الله بن رواحه آخذ بزمام ناقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وينشد ويقول @ خلوا بنى الكفار عن سبيله إنى شهيد أنه رسوله @@ وخرج المشركون من مكة لكى لا يروا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، أما النساء والأطفال فقد جلسوا على الطرق ينظرون إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإلى المؤمنين … ومكث الرسول وأصحابه بمكة ثلاثة أيام اعتمر خلالها هو وأصحابه ، ثم عادوا إلى المدينة . وهكذا تحققت رؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى الوقت الذى أراده - سبحانه - ثم بين - سبحانه - الحكمة من إرساله لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } . . أى هو - عز وجل - وحده ، الذى أرسل رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - إرسالا ملتبسا بالهدى ، أى بالدليل الواضح والبرهان الساطع الذى يهدى للطريق التى هى أقوم … وأرسله - أيضا - بالدين الحق وهو دين الإِسلام ، الذى هو خاتم الأديان وأكملها ، { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } أى من أجل أن يظهره ويعليه على جميع الأديان ، لما فيه من هدايات ، وعبادات ، وآداب ، وأحكام ، وتشريعات ، قد جمعت محاسن الأديان السابقة التى جاء بها الأنبياء ، وأضافت إليها جديدا اقتضته حكمة الله - تعالى - ورحمته بهذه الأمة التى أرسل رسوله محمدا إليها . وقد بين - سبحانه - أن هذا الدين هو المقبول عنده دون سواه ، فقال { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } ولقد ظهر هذا الدين فعم المشارق ، والمغارب ، وسيبقى - بإذن الله - ظاهرا عل الأديان كلها بقوة حجته ، ونصاعة براهينه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . والباء فى قوله { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } مزيدة لتأكيد هذا الإِظهار . أى وكفى بشهادة الله - تعالى - شهادة على حقية هذا الدين ، وعلى هذا الإِظهار الذى تكفل الله - تعالى - به لدين الإِسلام . ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذه الآية التى فيها ما فيها من الثناء على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى أصحابه ، الذين رضى عنهم وأرضاهم فقال { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ … وَأَجْراً عَظِيماً } .