Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 17-28)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المعنى { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } الذين صانوا أنفسهم عن كل ما نهى الله - تعالى - عنه . { فِي جَنَّاتٍ } عظيمة وفى { نَعِيمٍ } دائم لا ينقطع . { فَاكِهِينَ } أى متلذذين متنعمين بما يحيط بهم من خيرات ، مأخوذ من الفَكاهة - بفتح الفاء - وهى طيب العيش مع النشاط ، يقال فكه الرجل فكَها ، وفكاهة فهو فكِه وفاكه . إذا طاب عيشه ، وزاد سروره ، وعظم نشاطه ، وسميت الفاكهة بهذا الاسم لتلذذ الإِنسان بها . { بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } أى متلذذين بسبب ما آتاهم ربهم من جنات عظيمة ، ووقاهم - سبحانه - بفضله ورحمته العذاب الذى يؤلمهم . ويقال لهم فضلا عن ذلك على سبيل التكريم { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً } أى كلوا أكلا مريئا ، واشربوا شربا هنيئا . والهنىء من المأكول والمشروب مالا يلحقه تعب أو سوء عاقبة . وقوله { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ } منصوب على الحال من فاعل { كُلُواْ } أو من الضمير المستكن فى قوله { جَنَّاتٍ } . أى هم فى جنات عظيمة ، حالة كونهم متكئين فيها على سرر موضوعة على صفوف منتظمة ، وعلى خطوط مستوية ، والسُّررُ جمع سرير وهو ما يجلس عليه الإِنسان للراحة . وقوله { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } بيان لنعمة أخرى من النعم التى يتلذذون بها . أى وفضلا عن كل ذلك ، فقد زوجناهم بنساء جميلات . وبذلك نرى أن هؤلاء المتقين ، قد أكرمهم الله - تعالى - بكل أنواع النعيم ، من مسكن طيب ، ومأكل كريم ، ومشرب هنىء ، وأزواج مطهرات من كل سوء . ثم بين - سبحانه - أنواعا أخرى من تكريمه - تعالى - لهم ، فقال { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } . والأية الكريمة بيان لحال طائفة من أهل الجنة - وهم الذين شاركتهم ذريتهم الأقل عملا منهم فى الإِيمان - إثر بيان حال المتقين بصفة عامة . والاسم الموصول مبتدأ ، وخبره جملة { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } . والمراد بالذرية هنا ما يشمل الآباء والأبناء وقوله { وَٱتَّبَعَتْهُمْ } معطوف على { آمَنُواْ } . وقوله { بِإِيمَانٍ } متعلق بالاتباع ، والباء للسببية أو بمعنى فى . ومعنى { أَلَتْنَاهُمْ } أنقصناهم . يقال فلان أَلَتَ فلانا حقه يألِتُه - من باب ضرب - إذا بخسه حقه . والمعنى والذين آمنوا بنا حق الإِيمان واتبعتهم ذريتهم فى هذا الإِيمان ، ألحقنا بهم ذريتهم ، بأن جمعناهم معهم فى الجنة ، وما نقصنا هؤلاء المتبوعين شيئا من ثواب أعمالهم ، بسبب إلحاق ذريتهم بهم فى الدرجة ، بل جمعنا بينهم فى الجنة . وساوينا بينهم فى العطاء - حتى ولو كان بعضهم أقل من بعض فى الأعمال - فضلا منا وكرما . قال الإِمام ابن كثير يخبر - تعالى - عن فضله وكرمه ، وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم فى الإِيمان ، يلحقهم بآبائهم فى المنزلة وإن لم يبلغوا عملهم ، لتقر أعين الآباء بالأبناء عندهم فى منازلهم ، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه ، بأن يرفع الناقص العمل بكامل العمل ، ولا ينقص ذاك من عمله ومنزلته . للتساوى بينه وبين ذاك . ولهذا قال { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } . عن ابن عباس قال إن الله ليرفع ذرية المؤمن فى درجته ، وإن كانوا دونه فى العمل ، لتقر بهم عينه ، ثم قرأ هذه الآية . وفى رواية أخرى عنه قال - عندما سئل عن هذه الآية - هم ذرية المؤمنين يموتون على الإِيمان ، فإن كانت منازل آبائهم أرفع من منازلهم ألحقوا بآبائهم ، ولم ينقصوا من أعمالهم التى عملوها شيئا . وقال صاحب الكشاف فإن قلت ما معنى تنكير الإِيمان ؟ قلت معناه الدلالة على أنه إيمان خاص عظيم المنزلة ، ويجوز أن يراد إيمان الذرية الدانى المحل ، كأنه قال بشىء من الإِيمان ، لا يؤهلهم لدرجة الآباء ألحقناهم بهم . قال الجمل والذرية هنا تصدق على الآباء والأبناء ، فإن المؤمن إذا كان عمله الصالح أكثر ألحق به من هو دونه فى العمل أبا كان أو ابنا ، وهذا منقول عن ابن عباس وغيره . وعن ابن عباس - أيضا - يرفعه إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - قال " إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ ، سأل أحدهم عن أبويه وعن زوجته وولده ، فيقال إنهم لم يدركوا ما أدركت ، فيقول يارب إنى عملت لى ولهم ، فيؤمر بإلحاقهم به " . وقوله { كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } أى كل إنسان مرهون بعمله عند الله - تعالى - فإن كان عمله صالحا سعد وفاز ، وأطلق نفسه من كل ما يسوؤها ويحزنها ، وإن كان غير ذلك جوزى على حسب عمله وسعيه . والتعبير بقوله { رَهَينٌ } للإِشعار بأن كل إنسان مرتهن بعمله ، حتى لكأن العمل بمنزلة الدَّيْن ، وأن الإِنسان لا يستطيع الفكاك منه إلا بعد أدائه . ثم بين - سبحانه - جانبا آخر من مظاهر فضله على عباده المؤمنين فقال { وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } . أى وأمددنا هؤلاء المؤمنين - على سبيل الزيادة عما عندهم بفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وبلحم لذيذ تشتهيه نفوسهم . { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً } أى يتجاذبون على سبيل المداعبة ، ويتعاطون على سبيل التكريم ، الأوانى المملوءة بالخمر التى هى لذة للشاربين . { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } أى لا يصدر منهم فى أعقاب شربهم لتلك الخمر ، ما جرت به العادة فى أعقاب شرب خمر الدنيا ، من أن الشارب لها يصدر منه كلام ساقط لا خير فيه ، ويأتى من الأقوال والأفعال ما يعاقب عليه . ويرتكب الإِثم بسببه . قال صاحب الكشاف { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا } أى فى شربها { وَلاَ تَأْثِيمٌ } أى لا يتكلمون فى أثناء الشرب بسقط الحديث ، ومالا طائل تحته ، كفعل المتنادمين فى الدنيا على الشراب فى سفههم وعربدتهم ، ولا يفعلون ما يؤثم به فاعله ، أى ينسب إلى الإِثم لو فعله فى دار التكليف من الكذب والشتم والفواحش ، وإنما يتكلمون بالحكم وبالكلام الحسن متلذذين بذلك ، لأن عقولهم ثابتة غير زائلة وهم حكماء علماء . { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ } أى ويطوف عليهم بتلك الكئوس المليئة بالخمر ، غلمان لهم ، لكى يكونوا فى خدمتهم . { كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } أى كأن هؤلاء الغلمان فى صفائهم ونقائهم ، لؤلؤ مصون ومحفوظ فى صدفه لم تنله الأيدى . يقال كَنَنْتُ الشىء كَنًّا وكُنُوناً ، إذا جعلته فى كِنِّ ، وسترته عن الأعين . ثم حكى - سبحانه - تساؤلهم وهم فى الجنة ، فقال { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } أى وأقبل بعضهم على بعض وهم فى الجنة ، يسأل أحدهم الآخر عن أحواله وعن أعماله ، وعن حسن عاقبته . { قَالُوۤاْ } أى قال كل مسئول لسائله { إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } أى إنا كنا فى الدنيا ونحن نعيش بين أهلنا خائفين من أهوال يوم القيامة ، وكنا نقدم العمل الصالح الذى نرجو أن ننال بسببه رضا ربنا فقبل - تعالى - بفضله منا هذا العمل { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } أى فتكرم علينا بمغفرته ورضوانه . { وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ } أى وأنقذنا من عذاب النار التى تنفذ بحرها وسعيرها ، إلى العظام والمسام ، نفاذ الريح الحارة إلى الأجساد ، فتؤثر فيها تأثير السم فى البدن . قال صاحب الكشاف والسموم الريح الحارة التى تدخل المسام ، فسميت بها نار جهنم ، لأنها بهذه الصفة . { إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ … } أى إنا كنا من قبل فى الدنيا ندعوه أن يجنبنا هذا العذاب كما كنا - أيضا - نخلص له العبادة والطاعة . { إِنَّهُ } - سبحانه - { هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ } أى هو المحسن على عباده ، الرحيم بهم . فالبر - بفتح الباء - مشتق من البِرِّ - بكسرها - ، بمعنى المحسن ، يقال بر فلان فى يمينه ، إذا صدق فيها ، وأحسن أداءها . وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة ، قد بشرت المتقين ببشارات متعددة ، وذكرت نعما متعددة أنعم بها - سبحانه - عليهم . ثم عادت السورة الكريمة مرة أخرى إلى الحديث عن الكافرين ، فأمرت النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يمضى فى طريقه دون أن يهتم بأكاذيبهم ، وحكت جانبا من هذه الأكاذيب التى قالوها فى حقه - صلى الله عليه وسلم - ولقتنه الجواب المزهق لها … فقال - تعالى - { فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ … } .