Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 18-22)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المراد بعاد ، تلك القبيلة التى ينتهى نسبها إلى جدهم عاد ، وكانت مساكنهم بالأحقاف فى جنوب الجزيرة العربية . وكانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله - تعالى - إليهم نبيهم هودا - عليه السلام - لكى يأمرهم بعبادة الله - تعالى - وحده ، وينهاهم عن عبادة غيره … وقد جاء الحديث عنهم بصورة أكثر تفصيلا ، فى سور الأعراف ، وهود ، والشعراء ، والأحقاف … ولم تعطف قصتهم هنا على قصة نوح التى قبلها ، للإِشعار بأنها قصة مستقلة جديرة بأن يعتبر بها المعتبرون ، ويتعظ بها المتعظون … وحذف المفعول فى قوله { كَذَّبَتْ عَادٌ } للعلم به وهو نبيهم هود - عليه السلام - أى كذبت قبيلة عاد نبيها هودا - عليه السلام - . والاستفهام فى قوله - سبحانه - { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } للتهويل ، ولتشويق السامعين إلى معرفة العذاب الشديد الذى حل بهم . أى كذبت قبيلة عاد نبيها ، فهل علمتم ما حل بها من دمار وهلاك ؟ إن كنتم لم تعلموا ذلك فهاكم خبره … { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً … } أى إنا أرسلنا عليهم ريحا شديدة البرودة والقوة ، ذات صوت هائل . { فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ } أى فى يوم مشئوم عليهم ، وشؤمه دائم ومستمر لم ينقطع عنهم حتى دمرهم . قال ابن كثير قوله { مُّسْتَمِرٍّ } أى مستمر عليهم نحسه ودماره ، لأنه يوم اتصل فيهم عذابهم الدنيوى بالأخروى … وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } وإضافة " يوم " إلى " نحس " من إضافة الزمان إلى ما يقع فيه ، كقولهم يوم فتح خيبر … والمراد أنه يوم منحوس ومشئوم بالنسبة لهؤلاء المهلكين ، وليس المراد أنه يوم منحوس بذاته ، لأن الأيام يداولها الله - تعالى - بين الناس ، بمقتضى إرادته وحكمته . وقوله { تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } بيان لقوة هذه الريح وشدتها … والنزع الإِزالة للشىء بعنف ، حتى يزول عن آخره ، وينفصل عما كان متصلا به . والمراد بالناس هؤلاء المهلكين من قوم هود - عليه السلام - . والأعجاز جمع عجز ، وهو مؤخر الشىء وأسفله . وأعجاز النخل أصولها التى تقوم عليها . والمراد بها هنا النخل بتمامه ما عدا الفروع . وقوله { مُّنقَعِرٍ } اسم فاعل انقعر ، مطاوع قَعَره أى بلغ قعره بالحفر ، يقال قعر فلان البئر إذا بلغ قعرها فى الحفر ، وهو صفة للنخل . أى أن الريح لشدتها وقوتها ، كانت تقتلعهم من أماكنهم ، وتلقى بهم بعيدا وهم صرعى ، فكأنهم وهم ممددون على الأرض هلكى ، أعجاز نخل قد انقلع عن أصوله ، وسقط على الأرض … قال ابن كثير وذلك أن الريح كانت تأتى أحدهم ، فترفعه حتى تغيبه عن الأبصار . ثم تنكسه على أم رأسه ، فيسقط على الأرض ، فتنخلع رأسه فيبقى جثة بلا رأس ، ولهذا قال { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } . فالآية الكريمة فيها ما فيها من التفظيع لما أصابهم من هلاك واستئصال . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } ثم ختم - سبحانه - قصة هؤلاء الطغاة ، بمثل ما ختم به قصة قوم نوح ، من تذكير للناس بما أصاب هؤلاء الظالمين من عذاب أليم ، ومن دعوتهم إلى الاعتبار بقصص القرآن ، وزواجره ووعده ووعيده … فقال - تعالى - { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } . ثم جاءت بعد قصة قوم هود ، قصة قوم صالح - عليهما السلام - فقال - سبحانه - { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ . } .