Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 23-32)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قصة قبيلة ثمود مع نبيهم صالح - عليه السلام - قد وردت فى سور متعددة منها سورة الأعراف ، وسورة هود ، وسورة الشعراء ، وسورة النمل . وينتهى نسبهم إلى جدهم ثمود ، وقيل سموا بذلك لقلة ماء المكان الذى كانوا يعيشون فيه ، لأن الثمد هو الماء القليل . وكانت مساكنهم بالحجر - بكسر الحاء وسكون الجيم - ، وهو مكان يقع بين الحجاز والشام ، وما زال معروفا إلى الآن . ونبيهم صالح - عليه السلام - ينتهى نسبه إلى نوح - عليه السلام - . وقوله { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } أى كذبت قبيلة ثمود بالنذر التى جاءتهم عن طريق رسولهم صالح - عليه السلام - فالنذر بمعنى الإِنذارات التى أنذرهم بها صالح - عليه السلام - ثم حكى - سبحانه - مظاهر تكذيبهم فقال { فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ … } . و " بشرا " منصوب على المفعولية بالفعل " نتبعه " على طريقة الاشتغال ، وقدم لاتصاله بهمزة الاستفهام ، لأن حقها التصدير ، والاستفهام للإِنكار ، وواحدا صفة لقوله { أَبَشَراً } . أى أن قوم صالح - عليه السلام - حين جاءهم برسالته التى تدعوهم إلى إخلاص العبادة لله - تعالى - ، أنكروا ذلك ، وقالوا أنتبع واحدا من البشر جاءنا بهذا الكلام الذى يخالف ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا ؟ . { إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } أى إنا إذا لو اتبعناه لصرنا فى ضلال عظيم ، وفى { سُعُرٍ } أى وفى جنون واضح ، ومنه قولهم ناقة مسعورة ، إذا كانت لا تستقر على حال ، وتفرط فى سيرها كالمجنونة . أو المعنى إنا لو اتبعناه لكنا فى ضلال ، وفى نيران عظيمة . فالسعر بمعنى النار المسعرة ، ثم أخذوا فى تفنيد دعوته ، فقالوا { أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا … } والاستفهام للإِنكار والنفى . والمراد بالإِلقاء الإِنزال . وبالذكر الوحى الذى أوحاه الله - تعالى - إليه ، وبلغه لهم . أى أأنزل الوحى على صالح وحده دوننا ؟ لا لم ينزل عليه الوحى دوننا ، فهو واحد من أفنائنا ، وليس من أشرافنا … { بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } أى بل صالح فيما يدعونا إليه كذاب { أَشِرٌ } أى بطر متكبر ، معجب بنفسه ، يقال أشر فلان ، إذا أبطرته النعمة ، وصار مغرورا متكبرا على غيره ، ولا يستعمل نعم الله فيما خلقت له . وهكذا الجاهلون الجاحدون ، يقلبون الحقائق ، وتصير الحسنات فى عقولهم سيئات ، فصالح - عليه السلام - الذى جاءهم بما يسعدهم ، أصبح فى نظرهم كذابا مغرورا ، لا يليق بهم أن يتبعوه … وقد ورد - سبحانه - عليهم ردا يحمل لهم التهديد والوعيد ، فقال - تعالى - { سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ } . أى سيعلم هؤلاء الكافرون ، فى الغد القريب يوم ينزل بهم العذاب المبين ، من هو الكذاب فى أقواله ، ومن هو المغرور المتكبر على غيره ، أصالح - عليه السلام - أم هم ؟ ! والتعبير بالسين فى قوله { سَيَعْلَمُونَ } لتقريب مضمون الجملة وتأكيده . والمراد بقوله { غَداً } الزمن المستقبل القريب الذى سينزل فيه العذاب عليهم … ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ، ما أمر به نبيه صالحا - عليه السلام - فقال { إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَٱرْتَقِبْهُمْ وَٱصْطَبِرْ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } . وقوله { مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ } أى مخرجوها وباعثوها ، لأنهم اقترحوا على نبيهم صالح أن يأتيهم بمعجزة تدل على صدقه ، لكى يتبعوه ، فأخرج الله - تعالى - لهم تلك الناقة ، من مكان مرتفع قريب منهم . وإلى هذا المعنى أشار - سبحانه - فى آيات أخرى منها قوله - تعالى - { قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } وقوله { فِتْنَةً } أى اختبارا وامتحانا لهم ، فهو مفعول لأجله . وقوله { فَٱرْتَقِبْهُمْ } من الارتقاب بمعنى الانتظار ، ومثله { وَٱصْطَبِرْ } فهو من الاصطبار ، وأل فى قوله { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ … } للعهد . أى الماء المعهود لهم ، وهو ماء قريتهم الذى يستعملونه فى حوائجهم المتنوعة . وقوله { قِسْمَةٌ } بمعنى المقسوم ، وعبر عنه بالمصدر للمبالغة . والضمير فى " بينهم " يعود عليهم وعلى الناقة ، وجىء بضمير العقلاء على سبيل التغليب . وقوله { مُّحْتَضَرٌ } اسم مفعول من الحضور الذى هو ضد الغيبة ، وحذف المتعلق لظهوره . أى محتضر عنده صاحبه . والشِّرْب النصيب والمرة من الشُّرب . أى وقلنا لنبينا صالح على سبيل الإِرشاد والتعليم ، بعد أن طلب منه قومه معجزة تدل على صدقه . قلنا له . أخبرهم أننا سنرسل الناقة ، وسنخرجها لهم أمام أعينهم ، لتكون دليلا على صدقك ، ولتكون امتحانا واختبارا لهم ، حتى يظهر لك وللناس أيؤمنون أم يصرون على كفرهم . { فَٱرْتَقِبْهُمْ } - أيها الرسول الكريم - ، وانتظر ماذا سيصنعون بعد ذلك { وَٱصْطَبِرْ } على أذاهم صبرا جميلا ، حتى يحكم الله بينك وبينهم . { وَنَبِّئْهُمْ } أى وأخبرهم خبرا هاما ، هذا الخبر هو { أَنَّ ٱلْمَآءَ } الذى يستقون منه { قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } وبين الناقة ، أى مقسوم بينهم وبينها ، فهم لا يشاركونها فى يوم شربها ، وهى لا تشاركهم فى يوم شربهم . { كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } أى كل نصيب من الماء يحضره من هوله ، فالناقة تحضر إلى الماء فى يومها ، وهم يحضرون إليه فى يوم آخر . ففى هاتين الآيتين تعليم حكيم من الله - تعالى - لنبيه صالح ، وإرشاد له إلى ما يجب أن يسكله معهم ، بيقظة واعية يدل عليها قوله - تعالى - { فَٱرْتَقِبْهُمْ } وبصبر جميل لا يأس معه ولا ضجر ، كما يشير إليه قوله - تعالى - { وَٱصْطَبِرْ } . وسياق القصة ينبىء عن كلام محذوف ، يعلم من سياقها ، والتقدير أرسلنا الناقة ، وقلنا له أخبرهم ، أن الماء مقسوم بينهم وبين الناقة واستمروا على ذلك فترة من الزمان ، ولكنهم ملوا هذه القسمة ، ولم يرتضوها ، وأجمعوا على قتل الناقة . . { فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ } وهو " قدار بن سالف " وهو المعبر عنه بقوله - تعالى - فى آية أخرى { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } وعبر عنه - سبحانه - بصاحبهم ، لأنه كان معروفا ، وزعيما من زعمائهم … والمقصود بندائهم إياه إغراؤه بعقر الناقة وقتلها ، مخالفين بذلك وصية نبيهم لهم بقوله { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } وقوله - تعالى - { فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } مفرع على ما قبله ، وقوله { تَعَاطَىٰ } مطاوع للفعل عاطاه ، وهو مشتق من عطا يعطو ، إذا تناول الشىء . وهذه الصيغة " تعاطى " تشير إلى تعدد الفاعل ، فكأن هذا النداء بقتل الناقة ، تدافعوه فيما بينهم ، وألقاه بعضهم على بعض ، فكان كل واحد منهم يدفعه إلى غيره ، حتى استقر عند ذلك الشقى الذى ارتضى القيام به وتولى كبره ، حيث عقر الناقة ، فمفعول " عقر " محذوف للعلم به . قال الآلوسى قوله { فَتَعَاطَىٰ } العقر ، أى فاجترأ على تعاطيه مع عظمه غير مكترث به . { فَعَقَرَ } أى فأحدث العقر بالناقة ، وجوز أن يكون فتعاطى الناقة فعقرها . أو فتعاطى السيف فقتلها ، وعلى كل فمفعول تعاطى محذوف … ولا تعارض بين هذه الآية التى تثبت أن الذى عقر الناقة هو هذا الشقى ، وبين الآيات الأخرى التى تصرح بأنهم هم الذين عقروها ، كما فى قوله - تعالى - { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ … } لأن المقصود أن القوم قد اتفقوا على هذا القتل للناقة ، فنادوا واحدا منهم لتنفيذه ، فنفذه وهم له مؤيدون ، فصاروا كأنهم جميعا عقروها ، لرضاهم بفعله ، والعقر . يطلق على القتل والذبح والجرح ، والمراد هنا قتلها ونحرها . والتعبير بقوله - تعالى بعد ذلك { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } يشير إلى هول العقوبة التى نزلت بهم ، بسبب ما فعلوه من عقر الناقة ، ومن تكذيبهم لنبيهم . أى انظر وتدبر - أيها العاقل - كيف كان عذابى وإنذارى لهؤلاء القوم ؟ لقد كان شيئا هائلا لا تحيط به العبارة . ثم فصل - سبحانه - هذا العقاب فقال { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } والهشيم ما تهشم وتفتت وتكسر من الشجر اليابس ، مأخوذ من الهشم بمعنى الكسر للشىء اليابس ، أو الأجوف . والمحتظر هو الذى يعمل الحظيرة التى تكون مسكنا للحيوانات . أى إنا أرسلنا عليهم - بقدرتنا ومشيئتنا - صيحة واحدة صاحها بهم جبريل - عليه السلام - فصاروا بعدها كغصون الأشجار اليابسة المكسرة ، يجمعها إنسان ليعمل منها حضيرة لسكنى حيواناته . والمقصود بهذا التشبيه ، بيان عظم ما أصابهم من عقاب مبين ، جعلهم ، كالأعواد الجافة حين تتحطم وتتكسر ويجمعها الجامع ليصنع منها حظيرته ، أو لتكون تحت أرجل مواشيه . وهذا العذاب عبر عنه هنا وفى سورة هود بالصيحة فقال { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ … } وعبر عنه فى سورة الأعراف بالرجفة فقال { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ … } وعبر عنه فى سورة فصلت بالصاعقة فقال { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } وعبر عنه فى سورة الحاقة بالطاغية ، فقال { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ … } ولا تعارض بين هذه التعبيرات لأنها متقاربة فى معناها ، ويكمل بعضها بعضا ، وهى تدل على شدة ما أصابهم من عذاب . فكأنه - سبحانه - يقول لقد نزل بهؤلاء المكذبين الصحية التى زلزلت كيانهم ، فصعقتهم وأبادتهم ، وجعلتهم كعيدان الشجر اليابس … ثم ختم - سبحانه - هذه القصة بما ختم به سابقتها فقال { وَلَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } . وجاءت بعد قصة قوم صالح ، قصة قوم لوط - عليهما السلام - فقال - تعالى - { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ … } .