Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 55, Ayat: 37-45)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وجواب " إذا " فى قوله - سبحانه - { فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ } محذوف لتهويل أمره … وقوله - سبحانه - { فَكَانَتْ وَرْدَةً } تشبيه بليغ ، أى فكانت كالوردة فى الحمرة . والوردة جمعها ورود ، وهى زهرة حمراء معروفة ذات أغصان شائكة . والدهان ما يدهن به الشىء … أى فإذا انشقت السماء ، فصارت حين انشقاقها وتصدعها ، كالوردة الحمراء فى لونها ، وكالدهان الذى يدهن به الشىء فى ذوبانها وسيلانها ، رأيت ما يفزع القلوب ، ويزلزل النفوس من شدة الهول . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } وقوله - سبحانه - { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ … } وقوله - عز وجل - { يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } ثم بين - سبحانه - ما يترتب على هذا الانشقاق والذوبان للسماء من أهوال فقال { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } . أى ففى هذا اليوم العصيب ، وهو يوم الحشر ، لا يسأل عن ذنبه أحد ، لا من الإِنس ولا من الجن . أى أنهم لا يسألون عن ذنوبهم عند خروجهم من قبورهم ، وإنما يسألون عن ذلك فى موقف آخر ، وهو موقف الحساب والجزاء ، أذ فى يوم القيامة مواقف متعددة . وبذلك يجاب عن الآيات التى تنفى السؤال يوم القيامة ، والآيات التى تثبته ، كقوله - تعالى - { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وبعضهم يرى أن السؤال المنفى فى بعض الآيات هو سؤال الاستخبار والاستعلام ، والسؤال المثبت هو سؤال التوبيخ والتقريع … عن الأسباب التى جعلتهم ينحرفون عن الطريق المستقيم ، ويسيرون فى طريق الفسوق والعصيان … ثم بين - سبحانه - ما يحل بالمجرمين فى هذا اليوم من عذاب فقال { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } . وقوله { بِسِيمَاهُمْ } أى بعلاماتهم التى تدل عليهم ، وهى زرقة العيون . وسواد الوجوه ، كما فى قوله - تعالى - { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ … } وكما فى قوله - سبحانه - { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً … } والنواصى جمع ناصية ، وهى مقدم الرأس . والأقدام جمع قدم ، وهو ظاهر الساق ، و " ال " فى هذين اللفظين عوض عن المضاف إليه . والمراد بالطواف فى قوله { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا … } كثرة التردد والرجوع إليها بين وقت وآخر . والحميم الماء الشديد الغليان والحرارة . و { آنٍ } أى قد بلغ النهاية فى شدة الحرارة ، يقال أَنَى الحميم ، أى انتهى حره إلى أقصى مداه ، فهو آن وبلغ الشىء أناه - بفتح الهمزة وكسرها - إذا وصل إلى غاية نضجه وإدراكه ، ومنه قوله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } أى نضجه … أى فى هذا اليوم ، وهو يوم الحساب والجزاء { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ } بسواد وجوههم ، وزرقة عيونهم ، وبما تعلو أفئدتهم من غبرة ترهقها قترة . فتأخذ الملائكة بالشعر الذى فى مقدمة رءوسهم ، وبالأمكنة الظاهرة من سيقانهم ، وتقذف بهم فى النار ، وتقول لهم على سبيل الإِهانة والإِذلال هذه جهنم التى كنتم تكذبون بها فى الدنيا أيها المجرمون ، فترددوا بين مائها الحار ، وبين سعيرها البالغ النهاية فى الشدة . وفى قوله { فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } إشارة إلى التمكن منهم تمكنا شديدا ، بحيث لا يستطيعون التفلت أو الهرب . وقد ختمت كل آية من هذه الآيات السابقة بقوله - تعالى - { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } لأن عقاب العصاة المجرمين ، وإثابة الطائعين المتقين ، يدل على كمال عدله - سبحانه - ، وعلى فضله ونعمته على من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى . قال الإِمام ابن كثير ولما كان معاقبة العصاة المجرمين ، وتنعيم المتقين ، ومن فضله . ورحمته ، وعدله ، ولطفه بخلقه ، وكان إنذاره لهم من عذابه وبأسه ، مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصى وغير ذلك قال ممتنا بذلك على بريته { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } . وكعادة القرآن الكريم فى قرن أحوال الأخيار ، بأحوال الأشرار ، أو العكس جاء الحديث عما أعده - سبحانه - للمتقين من جزيل الثواب ، بعد الحديث عما سينزل بالمجرمين من عقاب فقال - تعالى - { وَلِمَنْ خَافَ … } .