Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 46-61)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الآلوسى قوله - تعالى - { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ … } شروع فى تعديد الآلاء التى تفاض فى الآخرة على المتقين ، بعد بيان سوء عاقبة المكذبين . و { مَقَامَ } مصدر ميمى بمعنى القيام مضاف إلى الفاعل . أى ولمن خاف قيام ربه عليه وكونه مراقبا له ، ومهيمنا عليه فالقيام هنا مثله فى قوله - تعالى - { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ … } أو هو اسم مكان . والمراد به مكان وقوف الخلق فى يوم القيامة للحساب … إذ الخلق جميعا قائمون له - تعالى - كما فى قوله - سبحانه - { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } والمعنى ولكل من خاف القيام بين يدى ربه للحساب ، وخشى هيمنته - سبحانه - عليه ، ومجازاته له … لكل من خاف ذلك وقدم فى دنياه العمل الصالح ، { جَنَّتَانِ } يتنقل بينهما ، ليزداد سروره ، وحبوره . قال صاحب الكشاف فإن قلت لم قال { جَنَّتَانِ } ؟ قلت الخطاب للثقلين ، فكأنه قيل لكل حائفين منكما جنتان . جنة للخائف الإِنسى ، وجنة للخائف الجنى . ويجوز أن يقال جنة لفعل الطاعات ، وجنة لترك المعاصى ، لأن التكليف دائر عليهما ، وأن يقال جنة يثاب بها وأخرى تضم إليها على وجه التفضل ، كقوله - تعالى - { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } وقوله { ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ } صفة للجنتين . والأفنان جمع فنن - بفتحتين - وهو الغصن . أى جنتان صاحبتا أغصان عظيمة . تمتاز بالجمال واللين والنضرة . ثم وصفهما - سبحانه - بصفات أخرى كريمة فقال { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } أى فى كل جنة منهما عين تجرى بالماء العذب الفرات … { فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ } أى وفيهما كذلك من كل نوع من أنواع الفاكهة صنفان ، ليتفكه المتقون ويتلذذوا بتلك الفواكه الكثيرة ، التى لا هى مقطوعة ، ولا هى ممنوعة . ثم بين - سبحانه - حسن مجلسهم فقال { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } . والجملة الكريمة حال من قوله - تعالى - { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ … } . وعبر - سبحانه - بالاتكاء لأنه من صفات المتنعمين الذين يعيشون عيشة راضية ، لاهم معها ولا حزن . والفرش جمع فراش - ككتب وكتاب - وهو ما يبسط على الأرض للنوم أو الاضطجاع . والبطائن جمع بطانة ، وهى ما قابل الظهارة من الثياب ، ومشتقة من البطن المقابلة للظهر ، ومن أقوالهم أفرشنى فلان ظهره وبطنه ، أى أطلعنى على سره وعلانيته . والاستبرق الديباج المصنوع من الحرير السميك ، وهو من أجود أنواع الثياب . والمعنى أن هؤلاء الذين خافوا مقام ربهم ونهوا أنفسهم عن الهوى ، يعيشون فى الجنات حالة كونهم ، متكئين فى جلستهم على فرش بطائنها من الديباج السميك . { وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } أى وما يجنى ويؤخذ من الجنتين قريب التناول ، دانى القطاف . فالمراد بقوله تعالى { وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ } ما يجتنى من ثمارهما { دَانٍ } من الدنو بمعنى القرب . أى أنهم لا يتعبون أنفسهم فى الحصول على تلك الفواكه ، وإنما يقطفون ما يشاءون منها ، وهم متكئون على فراشهم الوثير . ثم بين - سبحانه - ألوانا أخرى من نعيمهم فقال { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ } . وقوله - سبحانه - { قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ } صفة لموصوف محذوف . والطمث كناية عن افتضاض البكارة . يقال طمث الرجل امرأته - من باب ضرب وقتل - ، إذا أزال بكارتها . وأصل الطمث الجماع المؤدى إلى خروج دم الفتاة البكر ، ثم أطلق على كل جماع وإن لم يكن معه دم . أى فى هاتين الجنتين اللتين أعدهما - سبحانه - لمن خاف مقامه … نساء قاصرات عيونهن على أزواجهن ، ولا يلتفتن إلى غيرهم . وهؤلاء النساء من صفاتهن - أيضا - أنهن أبكار ، لم يلمسهن ولم يزل بكارتهن أحد قبل هؤلاء الأزواج … وكأن هؤلاء النساء فى صفائهن وجمالهن وحمرة خدودهن … الياقوت والمرجان . ثم ختم - سبحانه - هذه النعم بقوله { هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } والاستفهام لنفى أن يكون هناك مقابل لعمل الخير ، سوى الجزاء الحسن ، فالمراد بالإِحسان الأول ، القول الطيب ، والفعل الحسن ، والمراد بالإِحسان الثانى ، الجزاء الجميل الكريم على فعل الخير . أى ما جزاء من آمن وعمل صالحا ، وخاف مقام ربه ، ونهى نفسه عن الهوى … إلا أن يجازى الجزاء الحسن ، ويقدم له العطاء الذى يشرح صدره وتقر به عينه . وقد عقب - سبحانه - بعد كل آية من تلك الآيات السابقة بقوله { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } لأن كل آية قد اشتملت على نعمة أو نعم عظيمة من شأن العاقل أن يشكر الله - تعالى - عليها شكرا جزيلا . ثم واصلت السورة حتى نهايتها ، حديثها عن النعم التى منحها - سبحانه - لمن خاف مقام ربه ، فقال - تعالى - { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ … } .