Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 64, Ayat: 7-13)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال صاحب الكشاف قوله { زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ } . الزعم ادعاء العلم ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " زعموا مطية الكذب " وعن شريح لكل شىء كنية وكنية الكذب زعموا ، ويتعدى المفعولين تعدى العلم ، كما قال الشاعر @ وإن الذى قد عاش يا أم مالك يموت ، ولم أزعمك عن ذاك معزلا @@ و " أنْ " مع ما فى حيزها قائم مقامهما . و { بَلَىٰ } حرف يذكر فى الجواب لإِثبات النفى فى كلام سابق ، والمراد هنا إثبات ما نفوه وهو البعث . أى زعم الذين كفروا من أهل مكة وأشباههم من المشركين ، أنهم لن يبعثوا يوم القيامة ، لأن البعث وما يترتب عليه من حساب ، فى زعمهم محال . قل لهم - أيها الرسول الكريم - على سبيل الجزم واليقين ، كذبتم فيما تزعمونه من أنه لا بعث ولا حساب … والله لتبعثن يوم القيامة ، ثم لتنبؤن بما عملتموه فى الدنيا من أعمال سيئة ، ولتحاسبن عليها حسابا عسيرا ، يترتب عليه الإِلقاء بكم فى النار . وجىء فى نفى زعمهم بالجملة القسمية ، لتأكيد أمر البعث الذى نفوه بحرف { لَّن } ولبيان أن البعث وما يترتب عليه من ثواب وعقاب ، أمر ثابت ثبوتا قطعيا . وجملة { ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ } ارتقاء فى الإِيطال . و { ثُمَّ } للتراخى النسبى . أى قل لهم إنكم لا تبعثون فحسب ، بل ستبعثون ، ثم تجدون بعد ذلك ما هو أشد من البعث ، ألا وهو إخباركم بأعمالكم السيئة ، ثم الإِلقاء بكم فى النار بعد ذلك . فالمراد بالإِنباء لازمه ، وهو ما يترتب عليه من حساب وعقاب . واسم الإِشارة فى قوله { وَذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } يعود إلى البعث وما يترتب عليه من حساب . أى وذلك البعث والحساب ، يسير وهين على الله - تعالى - لأنه - سبحانه - لا يعجزه شىء ، ولا يحول دون تنفيذ قدرته حائل . فهذا التذييل المقصود به إزالة ما توهموه وعموه من أن البعث أمر محال ، كما قالوا { أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } والفاء فى قوله - تعالى - { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا … } هى الفصيحة ، أى التى تفصح عن شرط مقدر . والمراد بالنور القرآن الكريم ، كما قال - تعالى - { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا } والمعنى إذا علمتم ما ذكرناه لكم - أيها المشركون - فاتركوا العناد ، وآمنوا بالله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - إيمانا حقا ، وآمنوا - أيضا - بالقرآن الكريم الذى أنزلناه على عبدنا ورسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ليكون هذا القرآن معجزة ناطقة بصدقه - صلى الله عليه وسلم - . وجملة { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } تذييل قصد به الوعد والوعيد ، أى والله - تعالى - مطلع إطلاعا تاما على كل تصرفاتكم ، وسيمنحكم الخير إن آمنتم ، وسيلقى بكم فى النار إن بقيتم على كفركم . ثم حذرهم - سبحانه - من أهوال يوم القيامة فقال - تعالى - { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ } . والظرف { يَوْمَ } متعلق بقوله - تعالى - قبل ذلك { ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ } . والمراد بيوم الجمع يوم القيامة سمى بذلك لأنه اليوم الذى يجتمع فيه الأولون والآخرون ؟ فى مكان واحد للحساب والجزاء . وسمى - أيضا بيوم التغابن ، لأنه اليوم الذى يغبن فيه أهل الحق أهل الباطل . والتغابن تفاعل من الغبن بمعنى الخسران والنقص ، يقال غبن فلان فلانا إذا بخسه حقه ، بأن أخذ منه سلعة بثمن أقل من ثمنها المعتاد ، وأكثر ما يستعمل الغبن فى البيع والشراء ، وفعله من باب ضرب ، ويطلق الغبن على مطلق الخسران أى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الجاحدين للبعث لتبعثن يوم القيامة ثم لتنبؤن بما عملتم يوم القيامة يوم يجتمع الخلائق للحساب فيغبن فيه أهل الحق أهل الباطل ، ويغبن فيه المؤمنون الكافرين ، لأن أهل الإِيمان ظفروا بالجنة ، وبالمقاعد التى كان سيظفر بها الكافرون لو أنهم آمنوا ، ولكن الكافرين استمروا على كفرهم فخسروا مقاعدهم فى الجنة ، ففاز بها المؤمنون . قال القرطبى { يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ } أى يوم القيامة … وسمى يوم القيامة بيوم التغابن ، لأنه غبن أهلُ الجنة أهلَ النار . أى أن أهل اجنة أخذوا الجنة ، وأهل النار أخذوا النار على طريق المبادلة فوقع الغبن على الكافرين لأجل مبادلتهم الخير بالشر ، والنعيم بالعذاب . يقال غبنت فلانا ، إذا بايعَته أو شاريتَه ، فكان النقص عليه ، والغلبة لك . فإن قيل فأى معاملة وقعت بينهما حتى يقع الغبن فيها ؟ قيل له هو تمثيل الغبن فى الشراء والبيع . وقال الآلوسى ما ملخصه { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ } أى يومُ غبنَ فيه أهل الجنة أهل النار ، فالتفاعل ليس على ظاهره ، كما فى التواضع والتحامل لوقوعه من جانب واحد ، واختير للمبالغة . وقد ورد هذا التفسير عن ابن عباس ومجاهد وقتادة . واختاره الواحدى . وقال غير واحد { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ } أى اليوم الذى غبن فيه بعض الناس بعضا ، بنزول السعداء منازل الأشقياء لو كانوا سعداء ، وبالعكس ففى الحديث الصحيح " ما من عبد يدخل الجنة إلا أُرِى مقعده من النار - لو أساء - ليزداد شكرا ، وما من عبد يدخل النار إلا أرى مقعده من الجنة - لو أحسن ليزداد حسرة - " وهو مستعار من تغابن القوم فى التجارة ، وفيه تهكم بالأشقياء لأنهم لا يغبنون حقيقة السعداء ، بنزولهم فى منازلهم من النار . ثم فصل - سبحانه - أحوال الناس فى هذا اليوم الهائل الشديد فقال { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } . أى ومن يؤمن بالله - تعالى - إيمانا حقا ، ويعمل عملا صالحا ، يكفر الله - تعالى - عنه سيئاته التى عملها فى الدنيا بأن يزيلها من صحيفة عمله - فضلا منه - تعالى - وكرما - وفوق ذلك يدخله بفضله وإحسانه جنات تجرى من تحت ثمارها الأنهار { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } أى خلودا أبديا . { ذَلِكَ } الذى ذكرناه لكم من تكفير السيئات ، ومن دخول الجنات … هو { ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } الذى لا فوز يقاربه أو يدانيه . { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بربهم بأن أشركوا معه فى العبادة آلهة أخرى . { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ } الدالة على وحدانيتنا ، وعلى صدق نبينا - صلى الله عليه وسلم - . { أُوْلَـٰئِكَ } الكافرون المكذبون هم { أَصْحَابُ ٱلنَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا } خلودا أبديا { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } مصيرهم النار . ففى هاتين الآيتين الكريمتين ، بيان للتغابن ، وتفصيل له ، لاحتوائهما على بيان منازل السعداء والأشقياء ، وهو ما وقع فيه التغابن . ثم بين - سبحانه - أن كل شىء بقضائه وقدره فقال { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } . والمراد بالمصيبة الرزية والنكبة ، وكل ما يسوء الإِنسان فى نفسه أو ماله أو ولده … والمفعول محذوف ، و " من " للتأكيد ، و { مُّصِيبَةٍ } فاعل . أى ما أصاب أحدا مصيبة فى نفسه أو ماله أو ولده … إلا بإذن الله - تعالى - وأمره وإرادته ، لأن كل شىء بقضائه - سبحانه - وقدره . قال القرطبى قيل سبب نزولها أن الكفار قالوا لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله - تعالى - عن المصائب . فأنزل الله - تعالى - هذه الآية للرد على المشركين ، ولبيان أن كل شىء بإرادته - سبحانه - . ثم بين - سبحانه - أن الإِيمان الحق يعين على استقبال المصائب بصبر جميل فقال { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أى ومن يؤمن بالله - تعالى - إيمانا حقا يهد قلبه إلى الصبر الجميل ، وإلى الاستسلام لقضائه - سبحانه - لأن إيمانه الصادق يجعله يعتقد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، والله - تعالى - عليم بكل شىء ، لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء . قال الإِمام ابن كثير قوله - تعالى - { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } أى ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره فصبر واحتسب واستسلم لقضائه - تعالى - هدى الله قلبه ، وعوضه عما فاته من الدنيا . وفى الحديث المتفق عليه " عجبا للمؤمن ، لا يقضى الله له قضاء إلا كان خيرا له ، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " . ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات الكريمة بحض الناس على الطاعة والإِخلاص فى العبادة ، وحذرهم من اقتراف المعاصى فقال { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } . أى وعليكم - أيها الناس - أن تطيعوا الله - تعالى - طاعة تامة ، وأن تطيعوا رسوله فى كل ما يأمركم به أو ينهاكم عنه . فإن أعرضتم عن ذلك ، وانصرفتم عما أمرناكم به أو نهيناكم عنه فلا ضرر على رسولنا بسبب إعراضكم لأن حسابكم وجزاءكم علينا يوم القيامة ، وليس على رسولنا - صلى الله عليه وسلم - بالنسبة لكم سوى البلاغ الواضح البين ، بحيث لا يترك باباً من أبواب الخير إلا ويبينه لكم ، ولا يترك باباً من أبواب الشر إلا وحذركم منه . { ٱللَّهُ } - تعالى - { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أى هو المستحق للعبادة دون غيره ، فأخلصوا له هذه العبادة والطاعة { وَعَلَى ٱللَّهِ } - تعالى - وحده { فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أى فليفوضوا أمورهم إليه ، وليعقدوا رجاءهم عليه فهو - سبحانه - صاحب الخلق والأمر ، تبارك الله رب العالمين . وفى نهاية السورة الكريمة ، وجه - سبحانه - نداء إلى المؤمنين ، حذرهم فيه من فتنة الأزواج والأولاد والأموال ، وحضهم على مراقبته وتقواه ، وحذرهم من البخل والشح ، ووعدهم بالأجر العظيم متى أطاعوه … فقال - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ … } .