Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 66, Ayat: 6-9)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله - تعالى - { قُوۤا } أمر من الوقاية ، يقال وقى يَقِى ، كضرب يضرب . والمعنى يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان ، أبعدوا أنفسكم عن النار عن طريق فعل الحسنات . واجتناب السيئات ، وأبعدوا أهليكم - أيضا - عنها ، عن طريق نصحهم وإرشادهم وأمرهم بالمعروف . ونهيهم عن المنكر . قال القرطبى ، قال قتادة ومجاهد قوا أنفسكم بأفعالكم ، وقوا أهليكم بوصيتكم . ففى الحديث الصحيح أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإِمام الذى على الناس راع وهو مسئول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم " . وقال - صلى الله عليه وسلم - " ما نحل والد ولدا ، أفضل من أدب حسن " . وقال - صلى الله عليه وسلم - " مروا أبناءكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم فى المضاجع " . وقد روى مسلم فى صحيحه " أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوتر يقول قومى فأوترى يا عائشة " . وذكر القشيرى " أن عمر - رضى الله عنه - لما نزلت هذه الآية قال يا رسول الله نقى أنفسنا فكيف بأهلينا ؟ فقال " تنهونهم عما نهاكم الله عنه ، وتأمرونهم بما أمركم الله به " . وجاء لفظ النار منكراً ، للتهويل . أى نارا عظيمة لا يعلم مقدار حرها إلا الله - تعالى - . وقوله { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } أى هذه النار لا توقد كما يوقد غيرها بالحطب وما يشبهها ، وإنما مادة اشتعالها تتكون من الناس الذين كانوا فى الدنيا يشركون مع الله - تعالى - آلهة أخرى فى العبادة ، ومن الحجارة التى كانت تعبد من دونه - تعالى - . ثم أضاف - سبحانه - إلى تهويلها أمرا آخر وصفة أخرى فقال { عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } . والغلاظ جمع غليظ وهو المتصف بالضخامة والغلظة التى هى ضد الرقة . وهذا اللفظ صفة مشبهة ، وفعله غلظ ككرم . وشداد جمع شديد ، وهو المتصف بالقوة والشدة ، يقال فلان شديد على فلان ، أى قوى عليه ، بحيث يستطيع أن ينزل به ما يريد من الأذى والعقاب . أى هذه النار من صفاتها - أيضا - أن الموكلين بإلقاء الكفار والفساق فيها ، ملائكة قساة فى أخذهم أهل النار ، أقوياء عليهم ، بحيث لا يستطيع أهل النار أن يفلتوا منهم ، أو أن يعصوا لهم أمرا . وهؤلاء الملائكة من صفاتهم كذلك أنهم لا يعصون لله - تعالى - أمرا . وإنما ينفذون ما يكلفهم - سبحانه - به تنفيذا تاما . قال صاحب الكشاف فإن قلت أليس الجملتان - لا يعصون . . ويفعلون فى معنى واحد ؟ قلت لا فإن معنى الأولى أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها ولا يأبونها ولا ينكرونها ، ومعنى الثانية أنهم يؤدون ما يؤمرون به ، ولا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه . ثم بين - سبحانه - ما تقوله الملائكة لأهل النار عند ما يعرضون عليها فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ } والمراد باليوم ، يوم القيامة فأل فيه للعهد . أى تقول الملائكة لهم فى هذا اليوم العسير على سبيل التبكيت والتوبيخ - لا تعتذروا - أيها الكافرون عن كفركم ، بأن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير أو بأن غيرنا أضلنا ، أو بأننا ما كنا مشركين … فإن هذه الأعذار لن تنفعكم ، وأنتم فى هذا اليوم إنما تعاقبون على كفركم فى الدنيا ، وعلى إصراركم على ذلك حتى أدرككم الموت . فالآية الكريمة تبيوخ الكافرين ، وتيئيس لهم من قبلو أعذارهم الكاذبة . ثم يرشد - سبحانه - المؤمنين ، إلى ما يعينهم على الوقاية من النار فيقول { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً … } . والتوبة العزم الصادق على عدم العودة إلى المعصية والندم على ما فعله منها فى الماضى ، والنصوح صيغة مبالغة من النصح ، وصفت بها التوبة على سبيل الإِسناد المجازى ، والمقصود وصف التائبين بها ، من نصح فلان التوب إذا خاطه ، فكأن التائب يرقع ما مزقه بالمعصية . أو من قولهم عسل ناصح . وقد ذكروا فى معنى هذه الجملة أكثر من عشرين وجهاً . قال القرطبى ما ملخصه اختلفت عبارة العلماء ، وأرباب القلوب ، فى التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولا ، فقيل هى التى لا عودة بعدها ، كما لا يعود اللبن إلى الضرع . وقال قتادة النصوح الصادقة الناصحة … الخالصة . وقال القرطبى التوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء الاستغفار باللسان ، والإِقلاع بالأبدان ، وإضمار ترك العود بالجنان ، ومهاجرة سىء الإِخوان . وقال الفقهاء التوبة التى لا تعلق لها بحق آدمى لها ثلاثة شروط احدها أن يقلع عن المعصية ، وثانيها أن يندم على ما فعله ، وثالثها أن يعزم على أن لا يعود إليها . فإذا اجتمعت هذه الشروط فى التوبة كانت نصوحا . وإن كانت تتعلق بحق آدمى ، فشروطها أربعة ، هذه الثلاثة المتقدمة ، والرابع أن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت المعصية مالا أو نحوه رده إليه ، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه من نفسه ، أو طلب العفو منه ، وإن كانت غيبة استحله منها . وهى واجبة من كل معصية على الفور ، ولا يجوز تأخيرها … وقوله - سبحانه - { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } . والرجاء المستفاد من فعل { عَسَىٰ } مستعمل هنا فى الوعد الصادق منه - تعالى - على سبيل الكرم والفضل ، فقد قالوا إن كل ترج فى القرآن واقع منه - تعالى - فضلا منه وكرما . أى يا من آمنتم بالله حق الإِيمان ، توبوا إلى الله - تعالى - " توبة صادقة " بحيث تندمون على ما فرط منكم من ذنوب ، وتعزمون على عدم العودة إليها ، وتستمرون على توبتكم طوال حياتكم … فإنكم متى فعلتم ذلك غفر الله - تعالى - لكم ذنوبكم وكفر عنكم سيئاتكم ، وأدخلكم جنات تجرى من تحت أشجارها وثمارها الأنهار . قال صاحب الكشاف قوله { عَسَىٰ رَبُّكُمْ } إطماع من الله لعباده . وفيه وجهان أحدهما أن يكون على ما جرت به عادة الجبابرة من الإِجابة بعسى ولعل . ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت . والثانى أن يجىء به تعليما للعباد وجوب الترجح بين الخوف والرجاء … والظرف فى قوله - سبحانه - { يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } منصوب بقوله - تعالى - قبل ذلك { وَيُدْخِلَكُمْ } ، أو بفعل مضمر تقديره اذكر . وقوله { لاَ يُخْزِى } من الخزى بمعنى الافتضاح يقال أخزى الله فلانا إذا فضحه ، والمراد به هنا عذاب النار . وقوله { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } معطوف على النبى ، وجملة { نُورُهُمْ يَسْعَىٰ } مستأنفة . أى يدخلكم الله - بفضله وكرمه - { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } يوم القيامة ، يوم ينجى - سبحانه - النبى - صلى الله عليه وسلم - وينجى الذين آمنوا معه من عذاب النار ، ومن خزى هذا اليوم العصيب . وهم جميعا وعلى رأسهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - نورهم وهم على الصراط ، يسعى ويمتد وينتشر { بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } . أى أمامهم { وَبِأَيْمَانِهِمْ } أى وعن أيمانهم . ويقولون - على سبيل الحمد والشكر لله - تعالى - يا ربنا { أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } بأن تزيده ولا تنقصه حتى ندخل جنتك . { وَٱغْفِرْ لَنَآ } يا ربنا ذنوبنا { إِنَّكَ } يا ربنا ، { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . وفى عطف الذين آمنوا على النبى - صلى الله عليه وسلم - إشعار بأن سبب انتفاء خزيهم ، هو إيمانهم الصادق ، وعملهم الصالح ، وصحبتهم الكريمة للنبى - صلى الله عليه وسلم - . والضمير فى قوله { نُورُهُمْ } يعود إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - والذين آمنوا معه . وخص - سبحانه - الأَمامَ واليمين بالذكر ، لفضل هذين المكانين ، إذ النور عندما يكون من الأمام يستمتع الإِنسان بمشاهدته ، وعندما يكون من جهة اليمين يزداد تفاؤلا وانشراحا به . والتخصيص بذلك لا ينفى أن يكون النور محيطا بهم من كل جوانبهم ، وهو نور حقيقى يكرم الله - تعالى - به عباده الصالحين . وختموا دعاءهم بقولهم - كما حكى القرآن عنهم - { إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } للإِشارة إلى أنهم كانوا على جانب كبير من رجاء تحقيق دعائهم ، لأنهم يسألون ويدعون الله - تعالى - الذى لا يقف أمام قدرته شىء . ثم أمر - سبحانه - نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يجاهد الكفار والمنافقين جهادا كبيرا فقال { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } . وخص النبى - صلى الله عليه وسلم - بالأمر بالجهاد ، مع أن الأمر به يشمل المؤمنين معه ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - هو قائدهم ورائدهم . وجهاده - صلى الله عليه وسلم - للكفار يكون بدعوتهم إلى الحق حتى يسلموا ، فإذا لم يستجيبوا جاهدهم بالسيف والسلاح حتى يزهق باطلهم . وجهاده للمنافقين يكون بتأديبهم وزجرهم وإلقاء الرعب فى قلوبهم ، حتى يأمن المؤمنون شرهم ، وحتى يشعروا بأن النبى والمؤمنين لهم بالمرصاد . والغلظة فى الأصل تطلق على الشىء الصلب الغليظ ، والمراد بها هنا معاملتهم بالشدة والخشونة والقسوة … حتى يأمن المؤمنون جانبهم ، ويتقوا شرهم . أى يا أيها النبى الكريم جاهد أنت ومن معك من المؤمنين ، الكفار والمنافقين . وعاملهم جميعا بالخشونة والغلظة … حتى يهابوك أنت ومن معك ، وحتى تكونوا فى مأمن منهم ومن أذاهم إذ الحق لا بد له من قوة تحميه وتدفع عنه كيد أعدائه . وقوله - تعالى - { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } بيان لسوء مصيرهم فى الآخرة . أى أن هؤلاء الكافرين والمنافقين ، حالهم فى الدنيا المجاهدة والمعاملة التى لا تسامح معها ولا تساهل ، حتى تكون كلمتهم السفلى ، وكلمة الله - تعالى - هى العليا . أما حالهم فى الآخرة ، فالإِلقاء بهم فى جهنم ، وبئس المأوى والمسكن جهنم ، فالمخصوص بالذم محذوف ، وهو جهنم ، أو المأوى . وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أرشدت النبى - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين ، إلى ما يسعدهم فى دنياهم وآخرتهم . وبعد هذه النداءات ، للمؤمنين ، وللكافرين وللنبى - صلى الله عليه وسلم - ضرب - سبحانه - مثلين لنساء كافرات فى بيوت أنبياء ، ولنساء مؤمنات فى بيوت كفار ، لتزداد الموعظة وضوحا ، وليزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم ، وليشعر الجميع - ولا سيما أزواج النبى - صلى الله عليه وسلم - أنهم مسئولون أمام الله - تعالى - عن أعمالهم … فقال - تعالى - { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً … } .