Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 64-66)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الفخر الرازى اعلم أنه - تعالى - لما وعده بالنصر عند مخادعة الأعداء ، وعده بالنصر والظفر فى هذه الآية مطلقاً على جميع التقديرات ، وعلى هذا الوجه لا يلزم حصول التكرار لأن المعنى فى الآية الأولى إن أرادوا خداعك كفاك الله أمرهم . والمعنى فى هذه الآية عام فى كل ما يحتاج إليه فى الدين والدنيا . وهذه الآية نزلت بالبيداء فى غزوة بدر قبل القتال … وقوله { حَسْبُكَ } صفة مشبهة بمعنى اسم الفاعل ، والكاف فى محل جر . والواو فى قوله { وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ } بمعنى مع ، و { مَنِ } فى محل نصب عطفاً على الموضع ، فإن قوله { حَسْبُكَ } بمعنى كافيك فى جميع أمورك . والمعنى يأيها النبى كافيك الله وكافى متبعيك من المؤمنين فهو - سبحانه - ناصركم ومؤيدكم على أعدائكم وإن كثر عددهم وقل عددكم ، وما دام الأمر كذلك ، فاعتمدوا عليه وحده ، وأطيعوه فى السر والعلن لكى يديم عليكم عونه وتأييده ونصره . قال بعض العلماء قال ابن القيم عند تفسيره لهذه الآية أى الله وحده كافيك وكافى أتباعك فلا يحتاجون معه إلى أحد . ثم قال وههنا تقديران أحدهما أن تكون الواو عاطفة للفظ " من " على الكاف المجرورة … والثانى أن تكون الواو بمعنى " مع " وتكون " من " فى محل نصب عطفاً على الموضع . فإن " حسبك " فى معنى كافيك أى الله يكفيك ويكفى من اتبعك ، كما يقول العرب حسبك وزيدا درهم ، قال الشاعر @ وإذا كانت الهيجاء وانشقت العصا فحسبك والضحاك سيف مهند @@ وهذا أصح التقديرين . وفيها تقدير ثالث أن تكون " من " فى موضع رفع بالابتداء أى ومن اتبعك من المؤمنين فحسبهم الله . وفيها تقدير رابع وهو خطأ من جهة المعنى ، وهو أن يكون " من " فى موضع رفع عطفا على اسم الله . ويكون المعنى حسبك الله وأتباعك . هذا وإن قال به بعض الناس فهو خطأ محض ، لا يجوز حمل الآية عليه ، فإن الحسب والكفاية لله وحده ، كالتوكل والتقوى والعبادة … ثم أمر الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - بتحريض المؤمنين على القتال من أجل إعلاء كلمة الحق ، فقال - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ … } . وقوله { حَرِّضِ } من التحريض بمعنى الحث على الشئ بكثرة التزيين له ، وتسهيل الأمر فيه حتى تقدم عليه النفس برغبة وحماس . قال الراغب الحرض ما لا يعتد به ولا خير فيه ، ولذلك يقال لمن أشرف على الهلاك حرض . قال - تعالى - { حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ … } . والتحريض الحث على الشئ … فكأنه فى الأصل إزالة الحرض نحو حرضته وقذيته أى أزلت عنه الحرض والقذى . . والمعنى يأيها النبى بالغ فى حث المؤمنين وإحمائهم على القتال بصبر وجلد ، من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل . ولهذا " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرض أصحابه على القتال عند صفهم ومواجهة الأعداء كما قال لأصحابه يوم بدر حين أقبل المشركون فى عددهم وعددهم " قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض " . فقال عمير بن الحمام عرضها السماوات والأرض ؟ فقال رسول الله نعم فقال عمير بخ بخ فقال - صلى الله عليه وسلم - " ما يحملك على قولك بخ بخ " ؟ قال رجاء أن أكون من أهلها ، قال - صلى الله عليه وسلم - " فإنك من أهلها " فتقدم الرجل فكسر جفن سيفه وأخرج تمرات فجعل يأكل منهن " ثم ألقى بقيتهن من يده وقال لئن أنا حييت حتى آكلهن ، إنها لحياة طويلة ، ثم تقدم فقاتل حتى قتل - رضى الله عنه - " . وقوله { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } بشارة من الله - تعالى - للمؤمنين ووعد لهم بالظفر على أعدائهم . أى قابلوا - أيها المؤمنون أعداءكم بقوة وإقدام ، فإنكم إن يوجد منكم عشرون رجلاً صابروا يغلبوا - بسبب إيمانهم وصبرهم - مائتين من الكافرين ، وإن يوجد منكم مائة يغلبوا ألفاً منهم ، وذلك بسبب أن هؤلاء الكافرين قوم جهلة بحقوق الله - تعالى - وبما يجب عليهم نحوه . فهم - كما يقول صاحب الكشاف - " يقاتلون على غير احتساب وطلب ثواب كالبهائم " فيقل ثباتهم . ويعدمون لجهلهم بالله نصرته ، ويستحقون الخذلان . بخلاف من يقاتل على بصيرة ومعه ما يستوجب به النصر والإِظهار من الله - تعالى . وقال صاحب المنار والآية تدل على أن من شأن المؤمنين أن يكونوا أعلم من الكافرين وأفقه منهم بكل علم وفن يتعلق بحياة البشر وإرتقاء الأمم . وأن حرمان الكفار من هذا العلم هو السبب فى كون المائة منهم دون العشرة من المؤمنين الصابرين … وهكذا كان المؤمنون فى قرونهم الأولى … أما الآن فقد أصبح المسلمون غافلين عن هذه المعانى الجليلة ، فزال مجدهم … ثم حكى - سبحانه - بعض مظاهر فضله على المؤمنين ورحمته بهم فقال { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ … } . وقوله { ضَعْفاً } قرأه بعضهم بفتح الضاد ، وقرأه آخرون بضمها ، وهما بمعنى واحد عند الجمهور ، والمراد به الضعف فى البدن . وقيل الضعف - بالفتح يكون فى الرأى والعقل ، وبالضم يكون فى البدن . والمعنى لقد فرضنا عليكم - أيها المؤمنون - أول الأمر أن يثبت الواحد منكم أمام عشرة من الكافرين . . والآن وبعد أن شق عليكم الاستمرار على ذلك ، ولم تبق هناك ضرورة لدوام هذا الحكم لكثرة عددكم … شرعنا لكم التخفيف رحمة بكم ، ورعاية لأحوالكم ، فأوجبنا عليكم أن يثبت الواحد منكم أمام اثنين من أعدائكم بدلاً من عشرة ، وبشرناكم بأنه إن يوجد منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين من أعدائكم ، وإن يوجد منكم ألف يغلبوا ألفين منهم بإذن الله وتيسيره وتأييده . وقوله { وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } تذييل مقرر لمضمون ما قبله . أى والله - تعالى - مع الصابرين بتأييده ورعايته ونصره ، فاحرصوا على أن تكونوا من المؤمنين الصادقين لتنالوا منه - سبحانه - ما يسعدكم فى دنياكم وآخرتكم . هذا ، ومن العلماء من يرى أن هذه الآية قد نسخت الآية السابقة عليها ، ومنهم من يرى غير ذلك . قال الآلوسى قوله { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ … } شرط فى معنى الأمر بمصابرة الواحد العشرة ، والوعد بأنهم إن صبروا غلبوا - بعون الله وتأييده - فالجملة خبرية لفظاً إنشائية معنى . والمعنى ليصبرن الواحد لعشرة وليست بخبر محض … وقوله { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ … } أخرج البخارى وغيره عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال لما نزلت { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ … } شق ذلك على المسلمين إذ فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف وهل يعد نسخا أولا ؟ قولان اختار بعضهم الثانى منهما وقال إن الآية مخففة ، ونظير ذلك التخفيف على المسافر بالفطر . وذهب الجمهور إلى الأول ، وقالوا إن الآية الثانية ناسخة للأولى . وقال بعض العلماء فرض الله على المؤمنين أول الأمر ألا يفر الواحد من المؤمنين من العشرة من الكفار ، وكان ذلك فى وسعهم ، فأعز الله بهم الدين على قلتهم ، وخذل بأيديهم المشركين على كثرتهم ، وكانت السرايا تهزم من المشركين أكثر من عشر أمثالها تأييداً من الله لدينه . ولما شق على المؤمنين الاستمرار على ذلك ، وضعفوا عن تحمله ، ولم تبق ضرورة لدوام هذا الحكم لكثرة عدد المسلمين ممن دخلوا فى دين الله أفواجاً نزل التخفيف ، ففرض على الواحد الثبات للاثنين من الكفار ، ورخص له فى الفرار إذا كان العدو أكثر من اثنين . وهو رخصة كالفطر للمسافر ، وذهب الجمهور إلى أنه نسخ . وقال الشيخ القاسمى إن قيل إن كفاية عشرين لمائتين تغنى عن كفاية مائة لألف ، وكفاية مائة لمائتين تغنى عن كفاية ألف لألفين ، لما تقرر من وجوب ثبات الواحد للعشرة فى الأولى ، وثبات الواحد للاثنين فى الثانية فما سر هذا التكرير ؟ أجيب بأن سره كون كل عدة بتأييد القليل على الكثير لزيادة التقرير المفيد لزيادة الاطمئنان ، والدلالة على أن الحال مع القلة والكثرة واحدة لا تتفاوت ، فإن العشرين قد لا تغلب المائتين ، وتغلب المائة الألف ، وأما الترتيب فى المكرر فعلى ذكر الأقل ثم الأكثر على الترتيب الطبيعى . وقيل فى سر ذلك إنه بشارة للمسلمين بأن جنود الإِسلام سيجاوز عددهم العشرات والمئات إلى الألوف . ثم قال وقال فى البحر انظر إلى فصاحة هذا الكلام ، حيث أثبت فى الشرطية الأولى قيد الصبر ، وحذف نظيره من الثانية ، وأثبت فى الثانية قيد كونهم من الكفرة ، وحذفه من الأولى ، ولما كان الصبر شديد المطلوبية أثبت فى أولى جملتى التخفيف وحذف من الثانية لدلالة السابقة عليه ، ثم ختمت بقوله { وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } مبالغة فى شدة المطلوبية ، وإشارة إلى تأييدهم ، وأنهم منصورون حتماً ، لأن من كان الله معه لا يغلب … " وبعد هذا الحديث المستفيض عن القتال فى سبيل الله … عقب - سبحانه - ذلك بالحديث عن بعض الأحكام التى تتعلق بالأسرى بمناسبة ما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع أسرى غزوة بدر من الكافرين ، فقال - تعالى - { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ … غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .