Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 67-69)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات منها ، ما أخرجه مسلم فى صحيح عن ابن عباس قال حدثنى عمر بن الخطاب " أنه لما كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف ، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً ، فاستقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه اللهم أنجز لى ما وعدتنى . فقتل المسلمون من المشركين يومئذ سبعين وأسروا سبعين . قال ابن عباس فلما أسروا الأسارى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبى بكر وعمر ما ترون فى هؤلاء الأسارى ؟ فقال أبو بكر يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة ، أرى أن تأخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار فعسى أن يهديهم الله إلى الإِسلام . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ترى يا ابن الخطاب ؟ قال قلت لا والله يا رسول الله ، ما أرى الذى رأى أبو بكر ، ولكن أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم ، فتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من العباس فيضرب عنقه ، وتمكننى من فلان - نسيب لعمر - فأضرب عنقه ، - حتى يعلم الله أن ليس فى قلوبنا هوادة للمشركين فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده . فهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت ، فإذا رسول الله وأبو بكر يبكيان ، فقلت يا رسول الله . أخبرنى من أى شئ تبكى أنت وصاحبك . فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبكي على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه - صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله - عز وجل - { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ … } " إلخ الآيات . وروى الإِمام والترمذى عن عبد الله بن مسعود قال " لما كان يوم بدر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما تقولون فى هؤلاء الأسارى " ؟ فقال أبو بكر يا رسول الله ! قومك وأهلك استبقهم واستتبهم لعل الله أن يتوب عليهم . وقال عمر يا رسول الله ! كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم . وقال عبد الله بن رواحة يا رسول الله ، أنت بواد كثير الحطب فأضرم الوادى عليهم ناراً ثم ألقهم فيه . قال فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد شيئاً . ثم قال فدخل فقال ناس يأخذ بقول أبى بكر . وقال ناس يأخذ بقول عمر . وقال ناس يأخذ بقول ابن رواحة . ثم خرج عليهم رسول الله فقال " إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللين ويشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وكمثل عيسى إذ قال { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } . وإن مثلك يا عمر كمثل نوح إذ قال { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } ، وكمثل موسى إذ قال { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } . ثم قال - صلى الله عليه وسلم - " أنتم عالة فلا ينفلتن أحد إلا بفداء أو ضربة عنق " . قال ابن مسعود فقلت يا رسول ، إلا سهيل بن بيضاء ، فإنه يذكر الإِسلام ، فسكت رسول الله ثم قال " إلا سهيل بن بيضاء " . وأنزل الله - عز وجل - { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ … } " إلى آخر الآية . وقال ابن إسحاق - وهو يحكى أخبار غزوة بدر - " فلما وضع القوم أيديهم يأسرون ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى العريش ، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوشحاً السيف ، فى نفر من الأنصار يحرسون رسول الله ، يخافون عليه الكرة . ورأى رسول الله - فيما ذكر لى - فى وجه سعد الكراهية لما يصنع الناس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم " ؟ فقال أجل والله يا رسول الله كانت هذه أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك ، فكان الإِثخان فى القتل أحب إلى من استبقاء الرجال " . قوله { أَسْرَىٰ } جمع أسير كقتلى جمع قتيل . وهو مأخوذ من الأسر بمعنى الشد بالإِسار أى القيد به حتى لا يهرب ، ثم صار لفظ الأسير يطلق على كل من يؤخذ من فئته فى الحرب ، ولو لم يشد بالإِسار . وقوله { يُثْخِنَ } من الثخانة وهى فى الأصل الغلظ والصلابة . يقال ثخن الشئ يثخن ثخونة وثخانة وثخنا ، أى غلظ وصلب فهو ثخين ، ثم استعمل فى النكاية والمبالغة فى قتل العدو فقيل أثخن فلان فى عدوه . أى بالغ فى قتله وإنزال الجراحة الشديدة به ، لأنه بذلك يمنعه من الحركة فيصير كالثخين الذى لا يسيل ولا يتحرك . والمراد بالنبى فى قوله { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ } نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وإنما جئ باللفظ منكراً تلطفاً به - صلى الله عليه وسلم - حتى لا يواجه بالعتاب . والمعنى ما صح وما استقام لنبى من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام { أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ } من أعدائه الذين يريدون به وبدعوته شراً { حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } أى حتى يبالغ فى قتلهم ، وإنزاله الضربات الشديدة عليهم إذلالاً للكفر وإعزازا لدين الله . وقوله { تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } استئناف مسوق للعتاب . والعرض ما لا ثبات له ولا دوام من الأشياء ، فكأنها تعرض ثم تزول ، والمراد بعرض الدنيا هنا الفداء الذى أخذوه من أسرى غزوة بدر حتى يطلقوا سراحهم . تريدون - أيها المؤمنون - بأخذكم الفداء من أعدائكم الأسرى عرض الدنيا ومتاعها الزائل ، وحطامها الذى لا ثبات له ، والله - تعالى - يريد لكم ثواب الآخرة . فالكلام فى قوله { وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه والإِرادة هنا بمعنى الرضا أى والله - تعالى - يرضى لكم العمل الذى يجعلكم تظفرون بثوابه فى الآخرة ، وهو تفضيل إذلال الشرك على أخذ الفداء من أهله . وقوله { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أى والله - تعالى - { عَزِيزٌ } لا يغالب بل هو الغالب على أمره { حَكِيمٌ } فى كل ما يأمر به أو ينهى عنه . فالآية الكريمة تعتب على المؤمنين ، لأنهم آثروا الفداء على القتال والإِثخان فى الأرض ، وذلك لأن غزوة بدر كانت أول معركة حاسمة بين الشرك والإيمان ، وكان المسلمون فيها قلة والمشركون كثرة ، فلو أن المسلمين آثروا المبالغة فى إذلال أعدائهم عن طريق القتل لكان ذلك أدعى لكسر شوكة الشرك وأهله ، وأظهر فى إذلال قريش وحلفائها ، وأصرح فى بيان أن العمل على إعلاء كلمة الله كان عند المؤمنين فوق متع الدنيا وأعراضها ، وأنهم لا يوادون من حارب الله ورسوله مهما بلغت درجة قرابته ، وهذا ما عبر عنه عمر - رضى الله عنه - بقوله " وحتى يعلم الله أن ليس فى قلوبنا هوادة للمشركين " . والخلاصة أن غزوة بدر - بظروفها وملابساتها التى سبق أن أشرنا إليها - كان الأولى بالمسلمين فيها أن يبالغوا فى قتل أعدائهم لا أن يقبلوا منهم فداء حتى يذلوهم ويعجزوهم عن معاودة الكرة . ورضى الله - تعالى - عن " سعد بن معاذ " فقد ظهرت الكراهية على وجهه بسبب أخذ الفداء من الأسرى ، وقال - كما سبق أن بينا - " كانت غزوة بدر - أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك ، فكان الإِثخان فى القتل أحب إلىّ من استبقاء الرجال " . قال الفخر الرازى قال ابن عباس هذا الحكم إنما كان يوم بدر ، لأن المسلمين كانوا قليلين ، فلما كثروا وقوى سلطانهم أنزل الله بعد ذلك فى الأسارى { حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } ثم قال الرازى وأقول إن هذا الكلام يوهم أن قوله { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً } يزيد على حكم الآية التى نحن فى تفسيرها وليس الأمر كذلك ، لأن الآيتين متوافقتان ، فإن كلتيهما تدل على أنه لا بد من تقديم الإِثخان ثم بعده أخذ الفداء . ثم بين - سبحانه - بعد ذلك بعض مظاهر رحمته بالمؤمنين { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . والمراد بالكتاب هنا الحكم ، وأطلق عليه كتاب لأن هذا الحكم مكتوب فى اللوح المحفوظ . وللمفسرين أقوال فى تفسير هذا الحكم السابق فى علم الله - تعالى - فمنهم من يرى أن المراد به أنه - سبحانه - لا يعذب المخطئ فى اجتهاده . وقد صدر صاحب الكشاف تفسيره لهذه الآية بهذا الرأى فقال قوله { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ } . أى لولا حكم منه سبق إثباته فى اللوح المحفوظ ، وهو أنه - سبحانه - لا يعاقب أحداً بخطأ ، وكان هذا خطأ فى الاجتهاد ، لأنهم نظروا فى أن استبقاءهم ربما كان سبباً فى إسلامهم وتوبتهم وأن فداءهم يتقوى بهم على الجهاد فى سبيل الله ، وخفى عليهم أن قتلهم أعز للإِسلام وأهيب لمن وراءهم ، وأقل لشوكتهم … ومنهم من يرى أن المراد به أنه - سبحانه - لا يعذب قوماً إلا بعد تقديم النهى عن الفعل ولم يتقدم نهى عن أخذ الفداء . ومنهم من يرى أن المراد به أنه - سبحانه - لا يعذبهم ما دام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم . أو أنه - سبحانه - لا يعذب أحداً ممن شهد بدراً . وقد ساق الإِمام الرازى هذه الأقوال وناقشها ثم اختار أن المراد بالكتاب الذى سبق هو حكمه - سبحانه - فى الأزل بالعفو عن هذه الواقعة ، لأنه كتب على نفسه الرحمة . وسبقت رحمته غضبه . أما الإِمام ابن جرير فهو يرى أن الآية خبر عام محصور على معنى دون معنى ، وأنه لا وجه لأن يخص من ذلك معنى دون معنى … فقال يقول الله - تعالى - لأهل بدر الذين أخذوا من الأسرى الفداء { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ … } . أى لولا قضاء من الله سبق لكم أهل بدر فى اللوح المحفوظ أن الله يحل لكم الغنيمة ، وأن الله قضى أنه لا يضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ، وأنه لا يعذب أحداً شهد هذا المشهد الذى شهدتموه ببدر … لولا كل ذلك لنالكم من الله بأخذكم الفداء عذاب عظيم . ويبدو لنا أن ما ذهب إليه ابن جرير - من أن الآية خبر عام يشمل كل هذه المعانى - أولى بالقبول ، لأنه لم يوجد نص صحيح عن النبى - صلى الله عليه وسلم - يحدد تفسير المراد من هذا الكتاب السابق فى علمه - تعالى - . ولعل الحكمة فى هذا الإبهام لتذهب الأفهام فيه إلى كل ما يحتمله اللفظ ، ويدل عليه المقام ، ولكى يعرفوا أن أخذهم الفداء كان ذنباً يستحقون العقوبة عليه لولا أن الله - تعالى - قدر فى الأزل العفو عنهم بسبب وجود النبى - صلى الله عليه وسلم - فيهم ، ولأنهم قد أخطأوا فى اجتهادهم ، ولأنهم لم يتقدم لهم نهى عن ذلك ، ولأنهم قد شهدوا هذه الغزوة التى قال الرسول فى شأن من حضرها على لسان ربه - عز وجل - " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " . فقد روى الشيخان وغيرهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر فى قصة حاطب بن أبى بلتعة عندما أخبر المشركين بأن الرسول سيغزوهم قبل فتح مكة وكان حاطب قد شهد بدراً " وما يدريك لعل الله - تعالى - اطلع على أهل بدر وقال " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " . والمعنى الإجمالى للآية الكريمة { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ } أى لولا حكم من الله - تعالى - سبق منه فى الأزل ألا يعذب المخطئ على اجتهاده أو ألا يعذب قوماً قبل تقديم البيان إليهم … ولولا كل ذلك { لَمَسَّكُمْ } أى لأصابكم { فِيمَآ أَخَذْتُمْ } أى بسبب ما أخذتم من الفداء قبل أن تؤمروا به { عَذَابٌ عَظِيمٌ } لا يقادر قدره فى شدته وألمه . قال ابن جرير قال ابن زيد لم يكن من المؤمنين أحد ممن نصر إلا أحب الغنائم إلا عمر بن الخطاب ، جعل لا يلقى أسيراً إلا ضرب عنقه وقال يا رسول الله مالنا وللغنائم ؟ نحن قوم نجاهد فى دين الله حتى يعبد الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لو عذبنا فى هذا الأمر يا عمر ما نجا غيرك " . وقال ابن اسحاق لما نزلت { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ } الآية . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لو نزل عذاب من السماء لم ينج منه إلا سعد بن معاذ لقوله يا نبى الله ، كان الإِثخان فى القتل أحب إلى من استبقاء الرجال " . وقال بعض العلماء قال القاضى ، وفى الآية دليل على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجتهدون ، وأنه قد يكون خطأ ولكن لا يقرون عليه . ثم زاد - سبحانه - المؤمنين فضلا ومنه فقال { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . قال الآلوسى روى أنه لما نزلت الآية الأولى { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ … } كف الصحابة أيديهم عما أخذوا من الفداء فنزلت هذه الآية . فالمراد بقوله { مِمَّا غَنِمْتُمْ } إما الفدية وإما مطلق الغنائم ، والمراد بيان حكم ما اندرج فيها من الفدية ، وإلا فحل الغنيمة مما عداها علم سابقاً من قوله { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ } وقيل المراد بقوله { مِمَّا غَنِمْتُمْ } الغنائم من غير اندراج الفدية فيها ، لأن القوم لما نزلت الآية الأولى امتنعوا عن الأكل والتصرف فيها تزهداً منهم ، لا ظناً لحرمتها … والفاء للعطف على سبب مقدر ، أى قد أبحث لكم الغنائم فكلوا مما غنمتم . والمعنى لقد عفوت عنكم - أيها المؤمنون - فيما وقعتم فيه من تفضيلكم أخذ الفداء من الأسرى على قتلهم ، وأبحث لكم الانتفاع بالغنائم فكلوا مما غنمتم من أعدائكم حلالا طيباً ، أى لذيذاً هنيئاً لا شبهة فى أكله ولا ضرر { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فى كل أحوالكم بأن تخشوه وتراقبوه { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ولذا غفر لكم ما فرط منكم وأباح لكم ما أخذتموه من فداء . فسبحانه من إله واسع الرحمة والمغفرة ، لمن اتقاه وتاب إليه توبة صادقة . وقوله { حَلاَلاً } حال من " ما " الموصولة فى قوله { مِمَّا غَنِمْتُمْ } أو صفة لمصدر محذوف ، أى أكلاً حلالا . ووصف هذا المأمور بأكله بأنه حلال طيب ، تأكيداً للإِباحة حتى يقبلوا على الأكل منه بدون تحرج أو تردد ، فإن معاتبتهم على أخذ الفداء قبل ذلك جعلتهم يترددون فى الانتفاع به وبما غنموه من أعدائهم . ثم أمرت السورة النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يخبر الأسرى بأنهم إذا ما فتحوا قلوبهم للحق واستجابوا له - سبحانه - سيعوضهم عما فقدوه خيراً منه ، أما إذا استمروا فى كفرهم وعنادهم فإن الدائرة ستدور عليهم . استمع إلى السورة الكريمة وهى تصور هذا المعنى بأسلوبها البليغ فتقول { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ … وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .