Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 155-194)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ } أي بعدما أخرجها الله من الصخرة بدعائه كما اقترحوها . { لَّهَا شِرْبٌ } نصيب من الماء كالسقي والقيت للحظ من السقي والقوت وقرىء بالضم . { وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } فاقتصروا على شربكم ولا تزاحموها في شربها . { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء } كضرب وعقر . { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } عظم اليوم لعظم ما يحل فيه ، وهو أبلغ من تعظيم العذاب . { فَعَقَرُوهَا } أسند العقر إلى كلهم لأن عاقرها إنما عقرها برضاهم ولذلك أخذوا جميعاً . { فَأَصْبَحُواْ نَـٰدِمِينَ } على عقرها خوفاً من حلول العذاب لا توبة ، أو عند معاينة العذاب ولذلك لم ينفعهم . { فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ } أي العذاب الموعود . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } في نفي الإِيمان عن أكثرهم في هذا المعرض إيماء بأنه لو آمن أكثرهم أو شطرهم لما أخذوا بالعذاب ، وإن قريشاً إنما عصموا من مثله ببركة من آمن منهم . { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } . { وَمَا أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أتأتون من بين من عداكم من العالمين الذكران لا يشارككم فيه غيركم ، أو أتأتون الذكران من أولاد آدم مع كثرتهم وغلبة الإِناث فيهم كأنهن قد أعوزنكم ، فالمراد بـ { ٱلْعَـٰلَمِينَ } على الأول كل من ينكح وعلى الثاني الناس . { وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ } لأجل استمتاعكم . { رَبُّكُمْ مّنْ أَزْوٰجِكُمْ } للبيان إن أريد به جنس الإناث ، أو للتبعيض إن أريد به العضو المباح منهن فيكون تعريضاً بأنهم كانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم أيضاً . { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } متجاوزون عن حد الشهوة حيث زادوا على سائر الناس بل الحيوانات ، أو مفرطون في المعاصي وهذا من جملة ذاك ، أو أحقاء بأن توصفوا بالعدوان لارتكابكم هذه الجريمة . { قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يٰلُوطُ } عما تدعيه أو عن نهينا وتقبيح أمرنا . { لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ } من المنفيين من بين أظهرنا ، ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على عنف وسوء حال . { قَالَ إِنّي لِعَمَلِكُمْ مّنَ ٱلْقَـٰلِينَ } من المبغضين غاية البعض لا أقف عن الإِنكار عليه بالإِبعاد ، وهو أبلغ من أن يقول » إِنّي لِعَمَلِكُمْ « قال لدلالته على أنه معدود في زمرتهم مشهور بأنه من جملتهم . { رَبّ نَّجِنِى وَأَهْلِى مِمَّا يَعْمَلُونَ } أي من شؤمه وعذابه . { فَنَجَّيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ } أهل بيته والمتبعين له على دينه بإخراجهم من بينهم وقت حلول العذاب بهم . { إِلاَّ عَجُوزاً } هي امرأة لوط . { فِى ٱلْغَـٰبِرِينَ } مقدرة في الباقين في العذاب إذ أصابها حجر في الطريق فأهلكها لأنها كانت مائلة إلى القوم راضية بفعلهم . وقيل كائنة فيمن بقي في القرية فإنها لم تخرج مع لوط . { ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ } أهلكناهم . { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا } وقيل أمطر الله على شذاذ القوم حجارة فأهلكهم . { فَسَاءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } اللام فيه للجنس حتى يصح وقوع المضاف إليه فاعل ساء والمخصوص بالذم محذوف وهو مطرهم . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } . { كَذَّبَ أَصْحَـٰبُ لْـئَيْكَةِ ٱلْمُرْسَلِينَ } الأيكة غيضة تنبت ناعم الشجر يريد غيضة بقرب مدين تسكنها طائفة فبعث الله إليهن شعيباً كما بعثه إلى مدين وكان أجنبياً منهم فلذلك قال : { إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } ولم يقل أخوهم شعيب . وقيل الأيكة شجرة ملتف وكان شجرهم الدوم وهو المقل ، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر « ليكة » بحذف الهمزة وإبقاء حركتها على اللام وقرئت كذلك مفتوحة على أنها ليكة وهي اسم بلدتهم ، وإنما كتبت ها هنا وفي ص بغير ألف اتباعاً للفظ . { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } . { أَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ } أتموه . { وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُخْسِرِينَ } الناقصين حقوق الناس بالتطفيف . { وَزِنُواْ بِٱلْقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ } بالميزان السوي ، وهو وإن كان عربياً فإن كان من القسط ففعلاس بتكرير العين وإلا ففعلال . وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر القاف . { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ } ولا تنقصوا شيئاً من حقوقهم . { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } بالقتل والغارة وقطع الطريق . { وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ وَٱلْجِبِلَّةَ ٱلأَوَّلِينَ } وذوي الجبلة الأولين يعني من تقدمهم من الخلائق . { قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ وَمَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا } أتوا بالواو للدلالة على أنه جامع بين وصفين متنافين للرسالة مبالغة في تكذيبه . { وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ } في دعواك . { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مّنَ ٱلسَّمَاء } قطعة منها ، ولعله جواب لما أشعر به الأمر بالتقوى من التهديد . وقرأ حفص بفتح السين . { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } في دعواك . { قَالَ رَبّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } وبعذابه منزل عليكم ما أوجبه لكم عليه في وقته المقدر له لا محالة . { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ } على نحو ما اقترحوا بأن سلط الله عليهم الحر سبعة أيام حتى غلت أنهارهم وأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا . { إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } . { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } هذا آخر القصص السبع المذكورة على سبيل الاختصار تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديداً للمكذبين به ، وإطراد نزول العذاب على تكذيب الأمم بعد إنذار الرسل به ، واقتراحهم له استهزاء وعدم مبالاة به يدفع أن يقال إنه كان بسبب اتصالات فلكية أو كان إبتلاء لهم لا مؤاخدة على تكذيبهم . { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } . { عَلَىٰ قَلْبِكَ } تقرير لحقية تلك القصص وتنبيه على إعجاز القرآن ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن الإخبار عنها ممن لم يتعلمها لا يكون إلا وحياً من الله عز وجل ، والقلب إن أراد به الروح فذاك وإن أراد به العضو فتخصيصه ، لأن المعاني الروحانية إنما تنزل أولاً على الروح ثم تنتقل منه إلى القلب لما بينهما من التعلق ، ثم تتصعد منه إلى الدماغ فينتقش بها لوح المتخيلة ، و { ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } جبريل عليه الصلاة والسلام فإنه أمين الله على وحيه . وقرأ ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي بتشديد الزاي ونصب { ٱلرُّوحُ ٱلاْمِينُ } . { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ } عما يؤدي إلى عذاب من فعل أو ترك .