Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 16-24)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَأَعْرِضُواْ } عن الشكر . { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ } سيل الأمر العرم أي الصعب من عرم الرجل فهو عارم ، وعرم إذا شرس خلقه وصعب ، أو المطر الشديد أو الجرذ ، أضاف إليه الـ { سَيْلَ } لأنه نقب عليهم سكراً ضربته لهم بلقيس فحقنت به ماء الشجر وتركت فيه ثقباً على مقدار ما يحتاجون إليه ، أو المسناة التي عقدت سكراً على أنه جمع عرمة وهي الحجارة المركومة . وقيل اسم وادٍ جاء السيل من قبله وكان ذلك بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام . { وَبَدَّلْنَـٰهُمْ بِجَنَّـتَيهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ } ثمر بشع فإن الخمط كل نبت أخذ طعماً من مرارة ، وقيل الأراك أو كل شجر لا شوك له ، والتقدير كل أكل خمط فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه في كونه بدلاً ، أو عطف بيان . { وَأَثْلٍ وَشَىْءٍ مّن سِدْرٍ قَلِيلٍ } معطوفان على { أَكَلَ } لا على { خَمْطٍ } ، فإن الأثل هو الطرفاء ولا ثمر له ، وقرئا بالنصب عطفاً على { جَنَّتَيْنِ } ووصف السدر بالقلة فإن جناه وهو النبق مما يطيب أكله ولذلك يغرس في البساتين ، وتسمية البدل { جَنَّتَيْنِ } للمشاكلة والتهكم . وقرأ أبو عمرو « ذاتي » أكل بغير تنوين اللام وقرأ الحرميان بتخفيف { أَكَلَ } . { ذَلِكَ جَزَيْنَـٰهُمْ بِمَا كَفَرُواْ } بكفرانهم النعمة أو بكفرهم بالرسل ، إِذ روي أنه بعث إليهم ثلاثة عشر نبياً فكذبوهم ، وتقديم المفعول للتعظيم لا للتخصيص . { وَهَلْ يُجْازِى إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } وهل يجازى بمثل ما فعلنا بهم إلا البليغ في الكفران أو الكفر . وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص { نُجَازِي } بالنون و { ٱلْكَفُورَ } بالنصب . { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا } بالتوسعة على أهلها وهي قرى الشأم . { قُرًى ظَـٰهِرَةً } متواصلة يظهر بعضها لبعض ، أو راكبة متن الطريق ظاهرة لأبناء السبيل . { وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ } بحيث يقيل الغادي في قرية ويبيت الرائح في قرية إلى أن يبلغ الشام . { سِيرُواْ فِيهَا } على إرادة القول بلسان الحال أو المقال . { لَيَالِىَ وَأَيَّاماً } متى شئتم من ليل أو نهار . { ءَامِنِينَ } لا يختلف الأمن فيها باختلاف الأوقات ، أو سيروا آمنين وإن طالت مدة سفركم فيها ، أو سيروا فيها ليالي أعماركم وأيامها لا تلقون فيها إلا الأمن . { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَـٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا } أشروا النعمة وملوا العافية كبني إسرائيل فسألوا الله أن يجعل بينهم وبين الشام مفاوز ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل وتزود الأزواد ، فأجابهم الله بتخريب القرى المتوسطة . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام « بعد » ، ويعقوب { رَبَّنَا بَـٰعِدْ } بلفظ الخبر على أنه شكوى منهم لبعد سفرهم إفراطاً في الترفه وعدم الاعتداد بما أنعم الله عليهم فيه ، ومثله قراءة من قرأ « ربنا بعد » أو « بعد » على النداء وإسناد الفعل إلى { بَيْنَ } . { وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } حيث بطروا النعمة ولم يعتدوا بها . { فَجَعَلْنَـٰهُمْ أَحَادِيثَ } يتحدث الناس بهم تعجباً وضرب مثل فيقولون : تفرقوا أيدي سبأ . { وَمَزَّقْنَـٰهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } ففرقناهم غاية التفريق حتى لحق غسان منهم بالشأم ، وأنمار بيثرب ، وجذام بتهامة ، والأزد بعمان . { إِنَّ فِى ذَلِكَ } فيما ذكر . { لآيَـٰتٍ لّكُلّ صَبَّارٍ } عن المعاصي . { شَكُورٍ } على النعم . { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } أي صدق في ظنه أو صدق بظن ظنه مثل فعلته جهدك ، ويجوز أن يعدى الفعل إليه بنفسه كما في : { صَدَقَ وَعْدَهُ } . لأنه نوع من القول ، وشدده الكوفيون بمعنى حقق ظنه أو وجده صادقاً . وقرىء بنصب { إِبْلِيسَ } ورفع الظن مع التشديد بمعنى وجد ظنه صادقاً ، والتخفيف بمعنى قال له ظنه الصدق حين خيله إغواءهم ، وبرفعهما والتخفيف على الأبدان وذلك إما ظنه بسبأ حين رأى انهماكهم في الشهوات أو ببني آدم حين رأى أباهم النبي ضعيف العزم ، أو ما ركب فيهم من الشهوة والغضب ، أو سمع من الملائكة قولهم { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } [ البقرة : 30 ] فقال : { لأُضِلَّنَّهُمْ } [ النساء : 119 ] و { لأُغْوِيَنَّهُمْ } [ ص : 82 ] { فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } إلا فريقاً هم المؤمنون لم يتبعوه ، وتقليلهم بالإِضافة إلى الكفار ، أو إلا فريقاً من فرق المؤمنين لم يتبعوه في العصيان وهم المخلصون . { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مّن سُلْطَـٰنٍ } تسلط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء . { إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِى شَكّ } إلا ليتعلق علمنا بذلك تعلقاً يترتب عليه الجزاء ، أو ليتميز المؤمن من الشاك ، أو ليؤمن من قدر إيمانه ويشك من قدر ضلاله ، والمراد من حصول العلم حصول متعلقه مبالغة ، في نظم الصلتين نكتة لا تخفى . { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ حَفُيظٌ } محافظ والزنتان متآخيتان . { قُلْ } للمشركين . { ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ } أي زعمتموهم آلهة ، وهما مفعولا زعم حذف الأول لطول الموصول بصلته والثاني لقيام صفته مقامه ، ولا يجوز أن يكون هو مفعوله الثاني لأنه لا يلتئم مع الضمير كلاماً ولا { لاَّ يَمْلِكُونَ } لأنهم لا يزعمونه . { مِن دُونِ ٱللَّهِ } والمعنى ادعوهم فيما يهمكم من جلب نفع أو دفع ضر لعلهم يستجيبون لكم إن صح دعواكم ، ثم أجاب عنهم إشعاراً بتعين الجواب وأنه لا يقبل المكابرة فقال : { لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ } من خير أو شر . { فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَلاَ فِى ٱلأَرْضِ } في أمر ما وذكرهما للعموم العرفي ، أو لأن آلهتهم بعضها سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها أرضية كالأصنام ، أو لأن الأسباب القريبة للشر والخير سماوية وأرضية والجملة استئناف لبيان حالهم . من شركة لا خلقاً ولا ملكاً . { وَمَا لَهُمْ مِنْهُمْ مّن ظَهِيرٍ } يعينه على تدبير أمرهما . { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَـٰعَةُ عِندَهُ } فلا ينفعهم شفاعة أيضاً كما يزعمون إذ لا تنفع الشفاعة عند الله . { إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } أذن له أن يشفع ، أو أذن أن يشفع له لعلو شأنه ولم يثبت ذلك ، واللام على الأول كاللام في قولك : الكرم لزيد وعلى الثاني كاللام في قولك : جئتك لزيد ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بضم الهمزة . { حَتَّىٰ إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } غاية لمفهوم الكلام من أن ثم توقفا وانتظاراً للإِذن أي : يتربصون فزعين حتى إذا كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بالإِذن ، وقيل الضمير للملائكة وقد تقدم ذكرهم ضمناً . وقرأ ابن عامر ويعقوب { فُزّعَ } على البناء للفاعل . وقرىء « فرغ » أي نفي الوجل من فرغ الزاد إذا فني . { قَالُواْ } قال بعضهم لبعض . { مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ } في الشفاعة . { قَالُواْ ٱلْحَقَّ } قالوا قال القول الحق وهو الإِذن بالشفاعة لمن ارتضى وهم المؤمنون ، وقرىء بالرفع أي مقوله الحق . { وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْكَبِيرُ } ذو العلو والكبرياء ليس لملك ولا نبي من الأنبياء أن يتكلم ذلك اليوم إلا بإذنه . { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْض } يريد به تقرير قوله { لاَّ يَمْلِكُونَ } [ مريم : 87 ] { قُلِ ٱللَّهُ } إذ لا جواب سواه ، وفيه إشعار بأنهم إن سكتوا أو تلعثموا في الجواب مخافة الإِلزام فهم مقرون به بقلوبهم . { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي وإن أحد الفريقين من الموحدين المتوحد بالرزق والقدرة الذاتية بالعبادة ، والمشركين به الجماد النازل في أدنى المراتب الإِمكانية لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال المبينين ، وهو بعد ما تقدم من التقرير البليغ الدال على من هو على الهدى ومن هو في الضلال أبلغ من التصريح لأنه في صورة الانصاف المسكت للخصم المشاغب ، ونظيره قول حسان : @ أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بكفْءٍ فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الفِدَاءُ @@ وقيل إنه على اللف والنشر وفيه نظر ، واختلاف الحرفين لأن الهادي كمن صعد مناراً ينظر الأشياء ويتطلع عليها أو ركب جواداً يركضه حيث يشاء ، والضال كأنه منغمس في ظلام مرتبك لا يرى شيئاً أو محبوس في مطمورة لا يستطيع أن يتفصى منها .