Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 20-30)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ } هو حبيب النجار وكان ينحت أصنامهم وهو ممن آمن بمحمد عليه الصلاة والسلام وبينهما ستمائة سنة ، وقيل كان في غار يعبد الله فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه . { قَالَ يَـا قَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } . { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْـأَلُكُمْ أَجْراً } على النصح وتبليغ الرسالة . { وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } إلى خير الدارين . { وَمَا لِىَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِى فَطَرَنِى } على قراءة غير حمزة فإنه يسكن الياء في الوصل ، تلطف في الإِرشاد بإيراده في معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح ، حيث أراد لهم ما أراد لها والمراد تقريعهم على تركهم عبادة خالقهم إلى عبادة غيره ولذلك قال : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } مبالغة في التهديد ثم عاد إلى المساق الأول فقال : { أَءَتَّخِذُ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرّ لاَّ تُغْنِ عَنّي شَفَـٰعَتُهُمْ شَيْئاً } لا تنفعني شفاعتهم . { وَلاَ يُنقِذُونَ } بالنصرة والمظاهرة . { إِنِّى إِذاً لَّفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } فإن إيثار ما لا ينفع ولا يدفع ضراً بوجه ما على الخالق المقتدر على النفع والضر وإشراكه به ضلال بين لا يخفى على عاقل ، وقرأ نافع ويعقوب وأبو عمرو بفتح الياء . { إِنِّي ءَامَنتُ بِرَبّكُمْ } الذي خلقكم ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء . { فَٱسْمَعُونِ } فاسمعوا إيماني ، وقيل الخطاب للرسل فإنه لما نصح قومه أخذوا يرجمونه فأسرع نحوهم قبل أن يقتلوه . { قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ } قيل له ذلك لما قتلوه بشرى له بأنه من أهل الجنة ، أو إكراماً وإذناً في دخولها كسائر الشهداء ، أو لما هموا بقتله رفعه الله إلى الجنة على ما قاله الحسن وإنما لم يقل له لأن الغرض بيان المقول دون المقول له فإنه معلوم ، والكلام استئناف في حيز الجواب عن السؤال عن حاله عند لقاء ربه بعد تصلبه في نصر دينه وكذلك : { قَالَ يَٰلَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ } . { بِمَا غَفَرَ لِي رَبّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } فإنه جواب عن السؤال عن قوله عند ذلك القول ، وإنما تمنى علم قومه بحاله ليحملهم على اكتساب مثلها بالتوبة عن الكفر والدخول في الإِيمان والطاعة على دأب الأولياء في كظم الغيظ والترحم على الأعداء ، أو ليعلموا أنهم كانوا على خطأ عظيم في أمره وأنه كان على حق ، وقرىء { ٱلْمُكْرَمِينَ } و « ما » خبرية أو مصدرية والباء صلة { يَعْلَمُونَ } أو استفهامية جاء على الأصل ، والباء صلة غفر أي بأي شيء { غَفَرَ } لي ، يريد به المهاجرة عن دينهم والمصابرة على أذيتهم . { وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ } من بعد هلاكه أو رفعه . { مِن جُندٍ مّنَ ٱلسَّمَاءِ } لإِهلاكهم كما أرسلنا يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة ملك ، وفيه استحقار لإِهلاكهم وإيماء بتعظيم الرسول عليه السلام . { وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } وما صح في حكمتنا أن ننزل جنداً لإِهلاك قومه إذ قدرنا لكل شيء سبباً وجعلنا ذلك سبباً لانتصارك من قومك ، وقيل { مَا } موصولة معطوفة على { جُندٌ } أي ومما كنا منزلين على من قبلهم من حجارة وريح وأمطار شديدة . { إِن كَانَتْ } ما كانت الأخذة أو العقوبة . { إِلاَّ صَيْحَةً وٰحِدَةً } صاح بها جبريل عليه السلام ، وقرئت بالرفع على كان التامة . { فَإِذَا هُمْ خَـٰمِدُونَ } ميتون ، شبهوا بالنار رمزاً إلى أن الحي كالنار الساطعة والميت كرمادها كما قال لبيد : @ وَمَا المَرْءُ إِلاَّ كَالشّهَابِ وَضَوْئِه يَحُورُ رَمَاداً بَعْدَ إِذْ هُوَ سَاطِعُ @@ { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ } تعالي فهذه من الأحوال التي من حقها أن تحضري فيها ، وهي ما دل عليها : { مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئونَ } فإن المستهزئين بالناصحين المخلصين المنوط بنصحهم خير الدارين أحقاء بأن يتحسروا ويتحسر عليهم ، وقد تلهف على حالهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين ، ويجوز أن يكون تحسراً من الله عليهم على سبيل الاستعارة لتعظيم ما جنوه على أنفسهم ويؤيده قراءة { يا حسرتا } ونصبها لطولها بالجار المتعلق بها ، وقيل بإضمار فعلها والمنادى محذوف ، وقرىء « يا حسرة العباد » بالإِضافة إلى الفاعل أو المفعول ، و « يا حسرة » بالهاء على العباد بإجراء الوصل مجرى الوقف .