Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 103-138)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَلَمَّا أَسْلَمَا } استسلما لأمر الله أو سلما الذبيح نفسه وإبراهيم ابنه ، وقد قرىء بهما وأصلها سلم هذا لفلان إذا خلص له فإنه سلم من أن ينازع فيه . { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } صرعه على شقه فوقع جبينه على الأرض وهو أحد جانبي الجبهة . وقيل كبه على وجهه بإشارته لئلا يرى فيه تغيراً يرق له فلا يذبحه ، وكان ذلك عند الصخرة بمنى أو في الموضع المشرف على مسجده ، أو المنحر الذي ينحر فيه اليوم . { وَنَـٰدَيْنَـٰهُ أَن يٰإِبْرٰهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَا } بالعزم والإِتيان بالمقدمات . وقد روي أنه أمر السكين بقوته على حلقه مراراً فلم تقطع ، وجواب « لما » محذوف تقديره كان ما كان مما ينطلق به الحال ولا يحيط به المقال ، من استبشارهما وشكرهما لله تعالى على ما أنعم عليهما من دفع البلاء بعد حلوله والتوفيق بما لم يوفق غيرهما لمثله ، وإظهار فضلهما به على العالمين مع إحراز الثواب العظيم إلى غير ذلك . { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } تعليل لإِفراج تلك الشدة عنهما بإحسانهما ، واحتج به من جوز النسخ قبل وقوعه فإنه عليه الصلاة والسلام كان مأموراً بالذبح لقوله { يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } [ الصافات : 102 ] ولم يحصل . { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ } الابتلاء البين الذي يتميز فيه المخلص من غيره ، أو المحنة البينة الصعوبة فإنه لا أصعب منها . { وَفَدَيْنَـٰهُ بِذِبْحٍ } بما يذبح بدله فيتم به الفعل . { عظِيمٍ } عظيم الجثة سمين ، أو عظيم القدر لأنه يفدي به الله نبياً ابن نبي وأي نبي من نسله سيد المرسلين . قيل كان كبشاً من الجنة . وقيل وعلاً أهبط عليه من ثبير . وروي أنه هرب منه عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فصارت سنة ، والفادي على الحقيقة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وإنما قال وفديناه لأن الله المعطي له والآمر به على التجوز في الفداء أو الإِسناد ، واستدل به الحنفية على أن من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة وليس فيه ما يدل عليه . { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ سَلَـٰمٌ عَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ } سبق بيانه في قصة نوح عليه السلام . { كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } لعله طرح عنه أنا اكتفاء بذكره مرة في هذه القصة . { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ وَبَشَّرْنَـٰهُ بِإِسْحَـٰقَ نَبِيّاً مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } مقضياً نبوته مقدراً كونه من الصالحين وبهذا الاعتبار وقعا حالين ولا حاجة إلى وجود المبشر به وقت البشارة ، فإن وجود ذي الحال غير شرط بل الشرط مقارنة تعلق الفعل به لاعتبار المعنى بالحال ، فلا حاجة إلى تقدير مضاف يجعل عاملاً فيهما مثلاً و { بشرناه } بوجود إسحق أي بأن يوجد إسحق نبياً من الصالحين ، ومع ذلك لا يصير نظير قوله : { فَٱدْخُلُوهَا خَـٰلِدِينَ } [ الزمر : 73 ] فإن الداخلين مقدرون خلودهم وقت الدخول وإسحق لم يكن مقدراً نبوة نفسه وصلاحها حينما يوجد ، ومن فسر الذبيح بإسحق جعل المقصود من البشارة نبوته ، وفي ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه وإيماء بأنه الغاية لها لتضمنها معنى الكمال والتكميل بالفعل على الإِطلاق . { وَبَـٰرَكْنَا عَلَيْهِ } على إبراهيم في أولاده . { وَعَلَىٰ إِسْحَـٰقَ } بأن أخرجنا من صلبه أنبياء بني إسرائيل وغيرهم كأيوب وشعيب ، أو أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا ، وقرىء « وبركنا » . { وَمِن ذُرّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ } في عمله أو إلى نفسه بالإِيمان والطاعة . { وَظَـٰلِمٌ لّنَفْسِهِ } بالكفر والمعاصي . { مُّبِينٌ } ظاهر ظلمه ، وفي ذلك تنبيه على أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال وأن الظلم في أعقابها لا يعود عليهما بنقيصه وعيب . { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ } أنعمنا عليهما بالنبوة وغيرها من المنافع الدينية والدنيوية . { وَنَجَّيْنَـٰهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } من تغلب فرعون أو الغرق . { وَنَصَرْنَـٰهُمْ } ثم الضمير لهما مع القوم . { فَكَانُواْ هُمُ ٱلْغَـٰلِبينَ } على فرعون وقومه . { وَءَاتَيْنَـٰهُمَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلْمُسْتَبِينَ } البليغ في بيانه وهو التوراة . { وَهَدَيْنَـٰهُمَا ٱلصّرٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } الطريق الموصل إلى الحق والصواب . { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِى ٱلآخِرِينَ سَلَـٰمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } . { إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } سبق مثل ذلك . { وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } هو إلياس بن ياسين سبط هرون أخى موسى بعث بعده . وقيل إدريس لأنه قرىء إدريس وإدراس مكانه وفي حرف أبي رضي الله عنه . وقيل إيليس وقرأ ابن ذكوان مع خلاف عنه بحذف همزة إلياس . { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ } عذاب الله . { أَتَدْعُونَ بَعْلاً } أتعبدونه أو أتطلبون الخير منه ، وهو اسم صنم كان لأهل بَكَّ من الشام وهو البلد الذي يقال له الآن بعلبك وقيل البعل الرب بلغة اليمن ، والمعنى أتدعون بعض البعول . { وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ ٱلْخَـٰلِقِينَ } وتتركون عبادته ، وقد أشار فيه إلى المقتضي للإنكار المعني بالهمزة ثم صرح به بقوله : { ٱللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ ءَابَائِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص بالنصب على البدل . { فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } أي في العذاب ، وإنما أطلقه اكتفاء منه بالقرينة ، أو لأن الإِحضار المطلق مخصوص بالشر عرفاً . { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } مستثنى من الواو لا من المحضرين لفساد المعنى . { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } . { سَلَـٰمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ } لغة في إلياس كسيناه وسينين ، وقيل جمع له مراد به هو وأتباعه كالمهلبين ، لكن فيه أن العلم إذا جمع يجب تعريفه باللام أو للمنسوب إليه بحذف ياء النسب كالأعجمين وهو قليل ملبس ، وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب على إضافة { ءالَ } إلى { يَاسِينَ } لأنهما في المصحف مفصولان فيكون { يَاسِينَ } أبا { إِلْيَاسَ } ، وقيل محمد عليه الصلاة والسلام أو القرآن أو غيره من كتب الله والكل لا يناسب نظم سائر القصص ولا قوله : { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } إذ الظاهر أن الضمير لإلياس . { وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِذْ نَجَّيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عَجُوزاً فِى ٱلْغَـٰبِرِينَ ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ } سبق بيانه . { وَإِنَّكُمْ } يا أهل مكة . { لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ } على منازلهم في متاجركم إلى الشام فإن سدوم في طريقه . { مُّصْبِحِينَ } داخلين في الصباح . { وَبِٱلَّيْلِ } أي ومساء أو نهاراً وليلاً ، ولعلها وقعت قريب منزل يمر بها المرتحل عنه صباحاً والقاصد لها مساء . { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أفليس فيكم عقل تعتبرون به .