Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 96-102)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } أي وما تعملونه فإن جوهرها بخلقه وشكلها وإن كان بفعلهم ، ولذلك جعل من أعمالهم فبإقداره إياهم عليه وخلقه ما يتوقف عليه فعلهم من الدواعي والعدد ، أو عملكم بمعنى معمولكم ليطابق ما تنحتون ، أو إنه بمعنى الحدث فإن فعلهم إذا كان بخلق الله تعالى فيهم كان مفعولهم المتوقف على فعلهم أولى بذلك ، وبهذا المعنى تمسك أصحابنا على خلق الأعمال ولهم أن يرجحوه على الأولين لما فيها من حذف أو مجاز . { قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَـٰناً فَأَلْقُوهُ فِى ٱلْجَحِيمِ } في النار الشديدة من الجحمة وهي شدة التأجج ، واللام بدل الإِضافة أي جحيم ذلك البنيان . { فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً } فإنه لما قهرهم بالحجة قصدوا تعذيبه بذلك لئلا يظهر للعامة عجزهم . { فَجَعَلْنَـٰهُمُ ٱلأسْفَلِينَ } الأذلين بإبطال كيدهم وجعله برهاناً نيراً على علو شأنه ، حيث جعل النار عليه برداً وسلاماً . { وَقَالَ إِنّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبّي } إلى حيث أمرني ربي وهو الشام ، أو حيث أتجرد فيه لعبادته . { سَيَهْدِينِ } إلى ما فيه صلاح ديني أو إلى مقصدي ، وإنما بت القول لسبق وعده أو لفرط توكله ، أو البناء على عادته معه ولم يكن كذلك حال موسى عليه الصلاة والسلام حين { قَالَ عَسَىٰ رَبّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } [ القصص : 22 ] فلذلك ذكر بصيغة التوقع . { رَبّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينِ } بعض الصالحين يعينني على الدعوة والطاعة ويؤنسني في الغربة ، يعني الولد لأن لفظ الهبة غالبة فيه ولقوله : { فَبَشَّرْنَـٰهُ بِغُلَـٰمٍ حَلِيمٍ } بشره بالولد وبأنه ذكر يبلغ أوان الحلم ، فإن الصبي لا يوصف بالحلم ويكون حليماً وأي حلم مثل حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح وهو مراهق فقال { سَتَجِدُنِي إِن شَاء ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } . وقيل ما نعت الله نبياً بالحلم لعزة وجوده غير إبراهيم وابنه عليهما الصلاة والسلام ، وحالهما المذكورة بعد تشهد عليه . { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْي } أي فلما جَّد وبلغ أن يسعى معه في أعماله ، و { مَعَهُ } متعلق بمحذوف دل عليه { ٱلسَّعْي } لا به لأن صلة المصدر لا تتقدمه ولا يبلغ فإن بلوغهما لم يكن معاً كأنه لَمَّا قال : { فَلَمَّا بَلَغَ ٱلسَّعْي } فقيل مع من فقيل { مَعَهُ } ، وتخصيصه لأن الأب أكمل في الرفق والاستصلاح له فلا يستسعيه قبل أوانه ، أو لأنه استوهبه لذلك وكان له يومئذ ثلاث عشرة سنة . { قَالَ يَـا بَُنَيَّ } وقرأ حفص بفتح الياء . { إِنّى أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ } يحتمل أنه رأى ذلك وأنه رأى ما هو تعبيره ، وقيل إنه رأى ليلة التروية أن قائلاً يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك ، فلما أصبح روى أنه من الله أو من الشيطان ، فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله ، ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره وقال له ذلك ، ولهذا سميت الأيام الثلاثة بالتروية وعرفة والنحر ، والأظهر أن المخاطب إسمعيل عليه السلام لأنه الذي وهب له أثره الهجرة ولأن البشارة بإسحاق بعد معطوفة على البشارة بهذا الغلام ، ولقوله عليه الصلاة والسلام " أنا ابن الذبيحين " فأحدهما جده إسمعيل والآخر أبوه عبد الله ، فإن جده عبد المطلب نذر أن يذبح ولداً إن سهل الله له حفر زمزم أو بلغ بنوه عشرة ، فلما سهل أقرع فخرج السهم على عبد الله ففداه بمائة من الإِبل ، ولذلك سنت الدية مائة ولأن ذلك كان بمكة وكان قرنا الكبش معلقين بالكعبة حتى احترقا معها في أيام ابن الزبير ، ولم يكن إسحاق ثمة ولأن البشارة بإسحاق كانت مقرونة بولادة يعقوب منه فلا يناسبها الأمر بذبحه مراهقاً ، وما روي " أنه عليه الصلاة والسلام سئل أي النسب أشرف فقال : يوسف صديق الله بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله " فالصحيح أنه قال : فقال : " يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم " والزوائد من الراوي . وما روي أن يعقوب كتب إلى يوسف مثل ذلك لم يثبت . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بفتح الياء فيهما . { فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ } من الرأي ، وإنما شاوره فيه وهو حتم ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء الله فيثبت قدمه إن جزع ، ويأمن عليه إن سلم وليوطن نفسه عليه فيهون ويكتسب المثوبة بالانقياد له قبل نزوله ، وقرأ حمزة والكسائي « مَاذَا تُرِىٰ » بضم التاء وكسر الراء خالصة ، والباقون بفتحها وأبو عمرو يميل فتحة الراء وورش بين بين والباقون بإخلاص فتحها . { قَالَ يَـا أَبَتِ } وقرأ ابن عامر بفتح التاء . { ٰ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } أي ما تؤمر به فحذفا دفعة ، أو على الترتيب كما عرفت أو أمرك على إرادة المأمور به والإِضافة إلى المأمور ، أو لعله فهم من كلامه أنه رأى أنه يذبحه مأموراً به ، أو علم أن رؤيا الأنبياء حق وأن مثل ذلك لا يقدمون عليه إلا بأمر ، ولعل الأمر في المنام دون اليقظة لتكون مبادرتهما إلى الامتثال أدل على كمال الانقياد والإخلاص ، وإنما ذكر بلفظ المضارع لتكرر الرؤيا . { سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } على الذبح أو على قضاء الله ، وقرأ نافع بفتح الياء .