Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 21-27)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا ٱلْخَصْمِ } استفهام معناه التعجيب والتشويق إلى استماعه ، والخصم في الأصل مصدر ولذلك أطلق على الجمع . { إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } إذ تصعدوا سورة الغرفة ، تفعل من السور كتسنم من السنام ، وإذ متعلق بمحذوف أي نبأ تحاكم الخصم { إِذْ تَسَوَّرُواْ } ، أو بالنبأ على أن المراد به الواقع في عهد داوود عليه الصلاة والسلام ، وأن إسناد أتى إليه على حذف مضاف أي قصة نبأ الخصم لما فيه من معنى الفعل لا بأتى لأن إتيانه الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن حينئذ { وَإِذْ } الثانية في { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ } بدل من الأولى أو ظرف لـ { تَسَوَّرُواْ } . { فَفَزِعَ مِنْهُمْ } نزلوا عليه من فوق في يوم الاحتجاب والحرس على الباب لا يتركون من يدخل عليه ، فإنه عليه الصلاة والسلام كان جزأ زمانه : يوماً للعبادة ، ويوماً للقضاء ، ويوماً للوعظ ، ويوماً للاشتغال بخاصته ، فتسور عليه ملائكة على صورة الإِنسان في يوم الخلوة . { قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ } نحن فوجان متخاصمان على تسمية مصاحب الخصم خصماً . { بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ } وهو على الفرض وقصد التعريض إن كانوا ملائكة وهو المشهور . { فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقّ وَلاَ تُشْطِطْ } ولا تجر في الحكومة ، وقرىء « وَلاَ تُشْطِطْ » أي ولا تبعد عن الحق ولا تشطط ولا تشاط ، والكل من معنى الشطط وهو من مجاوزة الحد . { وَٱهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاء ٱلصّرٰطِ } أي إلى وسطه وهو العدل . { إِنَّ هَذَا أَخِى } بالدين أو بالصحبة . { لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِى نَعْجَةٌ وٰحِدَةٌ } هي الأنثى من الضأن وقد يكنى بها عن المرأة ، والكناية والتمثيل فيما يساق للتعريض أبلغ في المقصود ، وقرىء « تِسْعٌ وَتِسْعُونَ » بفتح التاء ونعجة بكسر النون ، وقرأ حفص بفتح ياء { لِى نَعْجَةً } . { فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا } ملكنيها وحقيقته اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدي ، وقيل اجعلها كفلي أي نصيبي . { وَعَزَّنِى فِى ٱلْخِطَابِ } وغلبني في مخاطبته إياي محاجة بأن جاء بحجاج لم أقدر على رده ، أو في مغالبته إياي في الخطبة يقال : خطبت المرأة وخطبها هو فخاطبني خطاباً حيث زوجها دوني ، وقرىء « وعازني » أي غالبني « وعزني » على تخفيف غريب . { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ } جواب قسم محذوف قصد به المبالغة في إنكار فعل خليطه وتهجين طمعه ولعله قال ذلك بعد اعترافه ، أو على تقدير صدق المدعي والسؤال مصدر مضاف إلى مفعوله وتعديته إلى مفعول آخر بإلى لتضمنه معنى الإِضافة . { وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ ٱلْخُلَطَاءِ } الشركاء الذين خلطوا أموالهم جمع خليط { لَيَبْغِى } ليتعدى . { بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } وقرىء بفتح الياء على تقدير النون الخفيفة وحذفها كقوله : @ اضْرُبْ عَنْكَ الهُمُومِ طَارِقُهَا @@ وبحذف الياء اكتفاء بالكسرة . { إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } أي وهم قليل ، و { مَا } مزيدة للإبهام والتعجب من قلتهم . { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ } ابتليناه بالذنب أو امتحناه بتلك الحكومة هل يتنبه بها . { فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ } لذنبه . { وَخَرَّ رَاكِعاً } ساجداً على تسمية السجود ركوعاً لأنه مبدؤه ، أو خر للسجود راكعاً أي مصلياً كأنه أحرم بركعتي الاستغفار . { وَأَنَابَ } ورجع إلى الله بالتوبة ، وأقصى ما في هذه القضية الإِشعار بأنه عليه الصلاة والسلام ود أن يكون له ما لغيره ، وكان له أمثاله فنبهه الله بهذه القصة فاستغفر وأناب عنه . وما روي أن بصره وقع على امرأة فعشقها وسعى حتى تزوجها ولدت منه سليمان ، إن صح فلعله خطب مخطوبته أو استنزله عن زوجته ، وكان ذلك معتاداً فيما بينهم وقد واسى الأنصار المهاجرين بهذا المعنى . وما قيل إنه أرسل أوريا إلى الجهاد مراراً وأمر أن يقدم حتى قتل فتزوجها هزء وافتراء ، ولذلك قال علي رضي الله عنه : من حدث بحديث داوود عليه السلام على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين . وقيل إن قوماً قصدوا أن يقتلوه فتسوروا المحراب ودخلوا عليه فوجدوا عنده أقواماً فتصنعوا بهذا التحاكم فعلم غرضهم وأراد أن ينتقم منهم ، فظن أن ذلك ابتلاء من الله له { فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ } مما هم به { وَأَنَابَ } . { فَغَفَرْنَا لَهُ ذٰلِكَ } أي ما استغفر عنه . { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ } لقربة بعد المغفرة . { وَحُسْنَ مَـئَابٍ } مرجع في الجنة . { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَـٰكَ خَلِيفَةً فِى ٱلأَرْضِ } استخلفناك على الملك فيها ، أو جعلناك خليفة ممن قبلك من الأنبياء القائمين بالحق . { فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقّ } بحكم الله . { وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ } ما تهوى النفس ، وهو يؤيد ما قيل إن ذنبه المبادرة إلى تصديق المدعي وتظليم الآخر قبل مسألته . { فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } دلائله التي نصبها على الحق . { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ } بسبب نسيانهم وهو ضلالهم عن السبيل ، فإن تذكره يقتضي ملازمة الحق ومخالفة الهوى . { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاءَ وَٱلأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَـٰطِلاً } لا حكمة فيه ، أو ذوي باطل بمعنى مبطلين عابثين كقوله : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ } [ الدخان : 38 ] أو للباطل الذي هو متابعة الهوى ، بل للحق الذي هو مقتضى الدليل من التوحيد والتدرع بالشرع كقوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] على وضعه موضع المصدر مثل هنيئاً { ذٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الإِشارة إلى خلقها باطلاً والظن بمعنى المظنون . { فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ } بسبب هذا الظن .