Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 59-74)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لأَتِيَـةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا } في مجيئها لوضوح الدلالة على جوازها وإجماع الرسل على الوعد بوقوعها . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } لا يصدقون بها لقصور نظرهم على ظاهر ما يحسون به . { وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى } اعبدوني . { أَسْتَجِبْ لَكُمْ } أثبكم لقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ } صاغرين ، وإن فسر الدعاء بالسؤال كان الاستكبار الصارف عنه منزلاً منزلته للمبالغة ، أو المراد بالعبادة الدعاء فإنه من أبوابها . وقرأ ابن كثير وأبو بكر « سَيُدْخَلُونَ » بضم الياء وفتح الخاء . { ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } لتستريحوا فيه بأن خلقه بارداً مظلماً ليؤدي إلى ضعف الحركات وهدوء الحواس . { وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } يبصر فيه أو به ، وإسناد الإِبصار إليه مجاز فيه مبالغة ولذلك عدل به عن التعليل إلى الحال : { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } لا يوازيه فضل ، وللإِشعار به لم يقل لمفضل . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } لجهلهم بالمنعم وإغفالهم مواقع النعم ، وتكرير الناس لتخصيص الكفران بهم . { ذٰلِكُمْ } المخصوص بالأفعال المقتضية للألوهية والربوبية . { ٱللَّهُ رَبُّـكُمْ خَـٰلِقُ كُـلِّ شَىْءٍ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أخبار مترادفة تخصص اللاحقة السابقة وتقررها ، وقرىء « خَـٰلِقَ » بالنصب على الاختصاص فيكون { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } استئنافاً بما هو كالنتيجة للأوصاف المذكورة . { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } فكيف ومن أي وجه تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره . { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } أي كما أفكوا أفك عن الحق كل من جحد بآيات الله ولم يتأملها . { ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً وَٱلسَّمَاءَ بِنَـاءً } استدلال ثان بأفعال أخر مخصوصة . { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } بأن خلقكم منتصب القامة بادي البشرة متناسب الأعضاء ، والتخطيطات متهيأ لمزاولة الصنائع واكتساب الكمالات . { وَرَزَقَكُم مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ } اللذائذ . { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ فَتَـبَـٰرَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } فإن كل ما سواه مربوب مفتقر بالذات معرض للزوال . { هُوَ ٱلْحَيُّ } المتفرد بالحياة الذاتية . { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } إذ لا موجد سواه ولا موجد يساويه أو يدانيه في ذاته وصفاته . { فَٱدْعُوهُ } فاعبدوه . { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } أي الطاعة من الشرك والرياء . { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قائلين له . { قُلْ إِنّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَاءَنِى ٱلْبَيّنَـٰتُ مِن رَّبّى } من الحجج والآيات أو من الآيات فإنها مقوية لأدلة العقل منبهة عليها . { وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } بأن أنقاد له أو أخلص له ديني . { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } أطفالاً ، والتوحيد لإرادة الجنس أو على تأويل كل واحد منكم . { ثُمَّ لِتَـبْلُغُواْ أَشُدَّكُـمْ } اللام فيه متعلقة بمحذوف تقديره : ثم يبقيكم لتبلغوا وكذا في قوله : { ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً } ويجوز عطفه على { لِتَـبْلُغُواْ } وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص وهشام « شُيُوخاً » بضم الشين . وقرىء « شيخاً » كقوله « طِفْلاً » . { وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ } من قبل الشيخوخة أو بلوغ الأشد . { وَلِتَبْلُغُواْ } ويفعل ذلك لتبلغوا : { أَجَلاً مُّسَمًّى } هو وقت الموت أو يوم القيامة . { وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ } ما في ذلك من الحجج والعبر . { هُوَ ٱلَّذِى يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً } فإذا أراده . { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } فلا يحتاج في تكوينه إلى عدة وتجشم كلفة ، والفاء الأولى للدلالة على أن ذلك نتيجة ما سبق من حيث أنه يقتضي قدرة ذاتية غير متوقفة على العدد والمواد . { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِى ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } عَن التصديق به وتكريم ذم المجادلة لتعدد المجادل ، أو المجادل فيه أو للتأكيد . { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَـٰبِ } بالقرآن أو بجنس الكتب السماوية . { وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا } من سائر الكتب أو الوحي والشرائع . { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } جزاء تكذيبهم . { إِذِ ٱلأَغْلَـٰلُ فِى أَعْنَـٰقِهِمْ } ظرف لـ { يَعْلَمُونَ } إذ المعنى على الاستقبال ، والتعبير بلفظ المضي لتيقنه . { وٱلسَّلَـٰسِلُ } عطف على { ٱلأغْلَـٰلَ } أو مبتدأ خبره . { يُسْحَبُونَ } . { فِى ٱلْحَمِيمِ } والعائد محذوف أي يسحبون بها ، وهو على الأول حال . وقرىء { وٱلسَّلَـٰسِلُ يُسْحَبُونَ } بالنصب وفتح الياء على تقديم المفعول وعطف الفعلية على الاسمية ، { وٱلسَّلَـٰسِلُ } بالجر حملاً على المعنى { إِذِ ٱلإِغْلَـٰلُ فِى أَعْنَـٰقِهِمْ } بمعنى أعناقهم في الأغلال ، أو إضماراً للباء ويدل عليه القراءة به . { ثُمَّ فِى ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } يحرقون من سجر التنور إذا ملأه بالوقود ، ومنه السجير للصديق كأنه سجر بالحب أي ملىء . والمراد أنهم يعذبون بأنواع من العذاب وينقلون من بعضها إلى بعض . { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَمَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا } غابوا عنا وذلك قبل أن تقرن بهم آلهتهم ، أو ضاعوا عنا فلم نجد ما كنا نتوقع منهم . { بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً } أي بل تبين لنا لم نكن نعبد شيئاً بعبادتهم فإنهم ليسوا شيئاً يعتد به كقولك : حسبته شيئاً فلم يكن . { كَذٰلِكَ } مثل ذلك الضلال . { يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَـٰفِرِينَ } حتى لا يهتدوا إلى شيء ينفعهم في الآخرة ، أو يضلهم عن آلهتهم حتى لو تطالبوا لم يتصادفوا .