Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 11-19)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَاطِرُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } خبر آخر لـ { ذٰلِكُمْ } أو مبتدأ خبره . { جَعَلَ لَكُمُ } وقرىء بالجر على البدل من الضمير أو الوصف لإلى الله . { مّنْ أَنفُسِكُمْ } من جنسكم . { أَزْوٰجاً } نساء . { وَمِنَ ٱلأَنْعَـٰمِ أَزْوٰجاً } أي وخلق للأنعام من جنسها أزواجاً ، أو خلق لكم منَّ الأنعام أصنافاً أو ذكوراً وأناثاً . { يَذْرَؤُكُمْ } يكثركم من الذرء وهو البث وفي معناه الذر والذرو والضمير على الأول للناس ، و { ٱلأَنْعَـٰمِ } على تغليب المخاطبين العقلاء . { فِيهِ } في هذا التدبير وهو جعل الناس والأنعام أزواجاً يكون بينهم توالد ، فإنه كالمنبع للبث والتكثير . { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ } أي ليس مثله شيء يزاوجه ويناسبه ، والمراد من مثله ذاته كما في قولهم : مثلك لا يفعل كذا ، على قصد المبالغة في نفيه عنه فإنه إذا نفى عمن يناسبه ويسد مسده كان نفيه عنه أولى ، ونظيره قول رقيقة بنت صيفي في سقيا عبد المطلب : أَلاَ وَفِيهِمْ الطَّيِّبُ الطَاهِرُ لِذَاتِهِ . ومن قال الكاف فيه زائدة لعله عنى أنه يعطى معنى { لَّيْسَ مّثْلِهِ } غير أنه آكد لما ذكرناه . وقيل « مثله » صفته أي ليس كصفته صفة . { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } لكل ما يسمع ويبصر . { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } خزائنها . { يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ } يوسع ويضيق على وقف مشيئته . { إِنَّهُ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيمٌ } فيفعله على ما ينبغي . { شَرَعَ لَكُم مّنَ ٱلِدِينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ } أي شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد عليهما الصلاة والسلام ومن بينهما من أرباب الشرائع ، وهو الأصل المشترك فيما بينهم المفسر بقوله : { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدّينَ } وهو الإِيمان بما يجب تصديقه والطاعة في أحكام الله ومحله النصب على البدل من مفعول { شَرَعَ } ، أو الرفع على الاستئناف كأنه جواب وما ذلك المشروع أو الجر على البدل من هاء به . { وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } ولا تختلفوا في هذا الأصل أما فروع الشرائع مختلفة كما قال : { لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً } [ المائدة : 48 ] { كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ } عظم عليهم . { مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } من التوحيد . { ٱللَّهُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ } يجتلب إليه والضمير لما تدعوهم أو للدين . { وَيَهْدِى إِلَيْهِ } بالإِشارة والتوفيق . { مَن يُنِيبُ } يقبل إليه . { وَمَا تَفَرَّقُواْ } يعني الأمم السالفة . وقيل أهل الكتاب لقوله : { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } [ البينة : 4 ] { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ ٱلعِلْمُ } العلم بأن التفرق ضلال متوعد عليه ، أو العلم بمبعث الرسل عليهم الصلاة والسلام ، أو أسباب العلم من الرسل والكتب وغيرهما فلم يلتفتوا إليها . { بَغْياً بَيْنَهُمْ } عداوة أو طلباً للدنيا . { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَّبّكَ } بالإِمهال . { إِِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } هو يوم القيامة أو آخر أعمارهم المقدرة . { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } باستئصال المبطلين حين اقترفوا لعظم ما اقترفوا . { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن بَعْدِهِمْ } يعني أهل الكتاب الذين كانوا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو المشركين الذين أورثوا القرآن من بعد أهل الكتاب . وقرىء « ورثوا » و « ورثوا » . { لَفِى شَكٍّ مّنْهُ } من كتابهم لا يعلمونه كما هو أو لا يؤمنون به حق الإيمان ، أو من القرآن . { مُرِيبٍ } مقلق أو مدخل في الريبة . { فَلِذَلِكَ } فلأجل ذلك التفرق أو الكتاب ، أو العلم الذي أوتيته . { فَٱدْعُ } إلى الاتفاق على الملة الحنيفية أو الاتباع لما أوتيت ، وعلى هذا يجوز أن تكون اللام في موضع إلى لإِفـادة الصلة والتعليل . { وَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } واستقم على الدعوة كما أمرك الله تعالى . { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } الباطلة . { وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَـٰبٍ } يعني جميع الكتب المنزلة لا كالكفار الذين آمنوا ببعض وكفروا ببعض . { وَأُمِرْتُ لأَِعْدِلَ بَيْنَكُمُ } في تبليغ الشرائع والحكومات ، والأول إشارة إلى كمال القوة النظرية وهذا إشارة إلى كمال القوة العملية . { ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } خالق الكل ومتولي أمره . { لَنَا أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ } وكل مجازى بعمله . { لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } لا حجاج بمعنى لا خصومة إذ الحق قد ظهر ولم يبق للمحاجة مجال ولا للخلاف مبدأ سوى العناد . { ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا } يوم القيامة . { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } مرجع الكل لفصل القضاء ، وليس في الآية ما يدل على متاركة الكفار رأساً حتى تكون منسوخة بآية القتال . { وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِى ٱللَّهِ } في دينه . { مِن بَعْدِ مَا ٱسْتُجِيبَ لَهُ } من بعد ما استجاب له الناس ودخلوا فيه ، أو من بعد ما استجاب الله لرسوله فأظهر دينه بنصره يوم بدر ، أو من بعد ما استجاب له أهل الكتاب بأن أقروا بنبوته واستفتحوا به . { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبّهِمْ } زائلة باطلة . { وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ } لمعاندتهم . { وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } على كفرهم . { ٱللَّهُ ٱلَّذِى أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ } جنس الكتاب . { بِٱلْحَقّ } ملتبساً بعيداً من الباطل ، أو بما يحق إنزاله من العقائد والأحكام . { وَٱلْمِيزَانَ } والشرع الذي توزن به الحقوق ويسوى بين الناس ، أو العدل بأن أنزل الأمر به أو آلة الوزن بأن أوحى بإعدادها . { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } إتيانها فاتبع الكتاب واعمل بالشرع وواظب على العدل قبل أن يفاجئك اليوم الذي توزن فيه أعمالك وتوفى جزاءك ، وقيل تذكير القريب لأنه بمعنى ذات قرب ، أو لأن الساعة بمعنى البعث { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } استهزاء . { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } خائفون منها مع اغتيابها لتوقع الثواب . { وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ } أي الكائن لا محالة . { أَلآَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فِى ٱلسَّاعَةِ } يجادلون فيها من المرية ، أو من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها بشدة للحلب لأن كلاً من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه بكلام فيه شدة . { لَفِى ضَلَـٰلِ بَعِيدٍ } عن الحق فإن البعث أشبه الغائبات إلى المحسوسات ، فمن لم يهتد لتجويزه فهو أبعد عن الاهتداء إلى ما وراءه . { ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } بر بهم بصنوف من البر لا تبلغها الأفهام . { يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ } أي يرزقه كما يشاء فيخص كلاً من عباده بنوع من البر على ما اقتضته حكمته . { وَهُوَ ٱلْقَوِىُّ } الباهر القدرة . { ٱلْعَزِيزُ } المنيع الذي لا يغلب .