Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 20-30)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلأَخِرَةِ } ثوابها شبهه بالزرع من حيث أنه فائدة تحصل بعمل ولذلك قيل : الدنيا مزرعة الآخرة ، والحرث في الأصل إلقاء البذر في الأرض ويقال للزرع الحاصل منه . { نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ } فنعطه بالواحد عشراً إلى سبعمائة فما فوقها . { وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } شيئاً منها على ما قسمنا له . { وَمَا لَهُ فِى ٱلأَخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } إذ الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى . { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ } بل ألهم شركاء ، والهمزة للتقرير والتقريع وشركاؤهم شياطينهم . { شَرَعُواْ لَهُمْ } بالتزيين . { مّنَ ٱلدّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا . وقيل شركاؤهم أوثانهم وإضافتها إليهم لأنهم متخذوها شركاء ، وإسناد الشرع إليها لأنها سبب ضلالتهم وافتتانهم بما تدينوا به ، أو صور من سنة لهم . { وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ } أي القضاء السابق بتأجيل الجزاء ، أو العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة . { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } بين الكافرين والمؤمنين ، أو المشركين وشركائهم . { وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وقرىء « أن » بالفتح عطفاً على كلمة { ٱلْفَصْلِ } أي { وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ } وتقدير عذاب الظالمين في الآخرة لقضي بينهم في الدنيا ، فإن العذاب الأليم غالب في عذاب الآخرة . { تَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } في القيامة . { مُشْفِقِينَ } خائفين . { مِمَّا كَسَبُواْ } من السيئات . { وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } أي وباله لاحق بهم أشفقوا أو لم يشفقوا . { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فِى رَوْضَـٰتِ ٱلْجَنَّـٰتِ } في أطيب بقاعها وأنزهها . { لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبّهِمْ } أي ما يشتهونه ثابت لهم عند ربهم . { ذٰلِكَ } إشارة إلى المؤمنين . { هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } الذي يصغر دونه ما لغيرهم في الدنيا . { ذَلِكَ ٱلَّذِى يُبَشّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } ذلك الثواب الذي يبشرهم الله به فحذف الجار ثم العائد ، أو ذلك التبشير الذي يبشره الله عباده . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي « يُبَشّرُ » من بشره وقرىء « يُبَشّرُ » من أبشره . { قُل لاَّ أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ } على ما أتعاطاه من التبليغ والبشارة . { أَجْراً } نفعاً منكم . { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ } أي تودوني لقرابتي منكم ، أو تودوا قرابتي ، وقيل الاستثناء منقطع والمعنى : لا أسألكم أجراً قط ولكني أسألكم المودة ، و { فِى ٱلْقُرْبَىٰ } حال منها أي { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ } ثابتة في ذوي { ٱلْقُرْبَىٰ } متمكنة في أهلها ، أو في حق القرابة ومن أجلها كما جاء في الحديث " الحب في الله والبغض في الله " روي : أنها لما نزلت قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم علينا قال : " علي وفاطمة وابناهما " وقيل { ٱلْقُرْبَىٰ } التقرب إلى الله أي إلا أن تودوا الله ورسوله في تقربكم إليه بالطاعة والعمل الصالح ، وقرىء « إلا مودة في القربى » . { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً } ومن يكتسب طاعة سيما حب آل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ومودته لهم . { نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً } في الحسنة بمضاعفة الثواب ، وقرىء « يزد » أي يزد الله وحسنى . { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } لمن أذنب . { شَكُورُ } لمن أطاع بتوفية الثواب والتفضل عليه بالزيادة . { أَمْ يَقُولُونَ } بل أيقولون . { ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } افترى محمد بدعوى النبوة أو القرآن . { فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ } استبعاد للافتراء عن مثله بالإِشعار على أنه إنما يجترىء عليه من كان مختوماً على قلبه جاهلاً بربه ، فأما من كان ذا بصيرة ومعرفة فلا ، وكأنه قال : إن يشأ الله خذلانك يختم على قلبك لتجترىء بالافتراء عليه . وقيل يختم على قلبك يمسك القرآن أو الوحي عنه ، أو يربط عليه بالصبر فلا يشق عليك أذاهم . { وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَـٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } استئناف لنفي الافتراء عما يقوله بأنه لو كان مفترى لمحقه إذ من عادته تعالى محو الباطل وإثبات الحق بوحيه أو بقضائه أو بوعده ، بمحو باطلهم وإثبات حقه بالقرآن ، أو بقضائه الذي لا مرد له ، وسقوط الواو من { يمح } في بعض المصاحف لاتباع اللفظ كما في قوله تعالى : { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَـٰنُ بِٱلشَّرّ } [ الإسراء : 11 ] { وَهُوَ ٱلَّذِى يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } بالتجاوز عما تابوا عنه ، والقبول يعدى إلى مفعول ثان بمن وعن لتضمنه معنى الأخذ والإِبانة ، وقد عرفت حقيقة التوبة . وعن علي رضي الله تعالى عنه : هي اسم يقع على ستة معان : على الماضي من الذنوب الندامة ، ولتضييع الفرائض الإِعادة ، ورد المظالم وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية وإذاقتها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية ، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته . { وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيّئَـٰتِ } صغيرها وكبيرها لمن يشاء . { وَيَعْلَمُ مَا يَفْعَلُونَ } فيجازي ويتجاوز عن إتقان وحكمة ، وقرأ الكوفيون غير أبي بكر « ما تفعلون » بالتاء . { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } أي يستجيب الله لهم فحذف اللام كما حذف في { وَإِذَا كَالُوهُمْ } [ المطففين : 3 ] والمراد إجابة الدعاء أو الإِثابة على الطاعة ، فإنها كدعاء وطلب لما يترتب عليها . ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " أفضل الدعاء الحمد لله " أو يستجيبون لله بالطاعة إذا دعاهم إليها . { وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ } على ما سألوا واستحقوا واستوجبوا له بالاستجابة . { وَٱلْكَـٰفِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } بدل ما للمؤمنين من الثواب والتفضل . { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِى ٱلأَرْضِ } لتكبروا وأفسدوا فيها بطراً ، أو لبغى بعضهم على بعض استيلاء واستعلاء وهذا على الغالب ، وأصل البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى كمية أو كيفية . { وَلَـٰكِن يُنَزّلُ بِقَدَرٍ } بتقدير . { مَا يَشَاء } كما اقتضته مشيئته . { إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ } يعلم خفايا أمرهم وجلايا حالهم فيقدر لهم ما يناسب شأنهم . روي أن أهل الصفة تمنوا الغنى فنزلت . وقيل في العرب كانوا إذا أخصبوا تحاربوا وإذا أجدبوا انتجعوا . { وَهُوَ ٱلَّذِى يُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ } المطر الذي يغيثهم من الجدب ولذلك خص بالنافع ، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم « يُنَزّلُ » بالتشديد . { مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ } أيسوا منه ، وقرىء بكسر النون . { وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان . { وَهُوَ ٱلْوَلِىُّ } الذي يتولى عباده بإحسانه ونشر رحمته . { ٱلْحَمِيدِ } المستحق للحمد على ذلك . { وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } فإنها بذاتها وصفاتها تدل على وجود صانع قادر حكيم . { وَمَا بَثَّ فِيهِمَا } عطف على { ٱلسَّمَـٰوَاتِ } أو الـ { خلقُ } . { مِن دَابَّةٍ } من حي على إطلاق اسم المسبب على السبب ، أو مما يدب على الأرض وما يكون في أحد الشيئين يصدق أن فيها في الجملة . { وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ } أي في أي وقت يشاء . { قَدِيرٌ } متمكن منه و { إِذَا } كما تدخل على الماضي تدخل على المضارع . { وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } فبسبب معاصيكم ، والفاء لأن { مَا } شرطية أو متضمنة معناه ، ولم يذكرها نافع وابن عامر استغناء بما في الباء من معنى السببية . { وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } من الذنوب فلا يعاقب عليها . والآية مخصوصة بالمجرمين ، فإن ما أصاب غيرهم فلأسباب أخر منها تعريضه للأجر العظيم بالصبر عليه .