Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 31-40)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ } من إحدى القريتين مكة والطائف . { عظِيمٌ } بالجاه والمال كالوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي ، فإن الرسالة منصب عظيم لا يليق إلا بعظيم ، ولم يعلموا أنها رتبة روحانية تستدعي عظم النفس بالتحلي بالفضائل والكمالات القدسية ، لا التزخرف بالزخارف الدنيوية . { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتِ رَبّكَ } إنكار فيه تجهيل وتعجيب من تحكمهم ، والمراد بالرحمة النبوة . { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } وهم عاجزون عن تدبيرها وهي خويصة أمرهم في دنياهم ، فمن أين لهم أن يدبروا أمر النبوة التي هي أعلى المراتب الإنسية ، وإطلاق المعيشة يقتضي أن يكون حلالها وحرامها من الله . { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ } وأوقعنا بينهم التفاوت في الرزق وغيره . { لّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } ليستعمل بعضهم بعضاً في حوائجهم فيحصل بينهم تآلف وتضام ينتظم بذلك نظام العالم ، لا لكمال في الموسع ولا لنقص في المقتر ، ثم إنه لا اعتراض لهم علينا في ذلك ولا تصرف فكيف يكون فيما هو أعلى منه . { وَرَحْمَتُ رَبَّكَ } يعني هذه النبوة وما يتبعها . { خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ } من حطام الدنيا والعظيم من رزق منها لا منه . { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً } لولا أن يرغبوا في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة وتنعم لحبهم الدنيا فيجتمعوا عليه . { لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ } ومصاعد جمع معراج ، وقرىء و « معاريج » جمع معراج . { عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } يعلون السطوح لحقارة الدنيا ، و { لِبُيُوتِهِمْ } بدل من { لِمَنْ } بدل الاشتمال أو على كقولك : وهبت له ثوباً لقميصه ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو « وسقفاً » اكتفاء بجميع البيوت ، وقرىء « سقفاً » بالتخفيف و « سقوفاً » و « سقفاً » وهي لغة في سقف . { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوٰباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ } أي أبواباً وسرراً من فضة . { وَزُخْرُفاً } وزينة عطف على { سَقْفاً } أو ذهباً عطف على محل من فضة { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } إِن هي المخففة واللام هي الفارقة . وقرأ عاصم وحمزة وهشام بخلاف عنه لما بالتشديد بمعنى إلا وأن نافية ، وقرىء به مع أن وما { وَٱلأَخِرَةُ عِندَ رَبّكَ لِلْمُتَّقِينَ } عَن الكفر والمعاصي ، وفيه دلالة على أن العظيم هو العظيم في الآخرة لا في الدنيا ، وإشعار بما لأجله لم يجعل ذلك للمؤمنين حتى يجتمع الناس على الإِيمان ، وهو أنه تمتع قليل بالإِضافة إلى ما لهم في الآخرة مخل به في الأغلب لما فيه من الآفات قل من يتخلص عنها كما أشار إليه بقوله : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } يتعام ويعرض عنه لفرط اشتغاله بالمحسوسات وإنهماكه في الشهوات ، وقرىء « يَعْشَ » بالفتح أي يعم يقال عشي إذا كان في بصره آفة وعشى إذا تعشى بلا آفة كعرج وعرج ، وقرىء « يعشو » على أن { مِنْ } موصولة . { نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } يوسوسه ويغويه دائماً ، وقرأ يعقوب بالياء على إسناده إلى ضمير { ٱلرَّحْمَـٰنُ } ، ومن رفع « يعشو » ينبغي أن يرفع { نُقَيّضْ } . { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } عن الطريق الذي من حقه أن يسبل ، وجمع الضميرين للمعنى إذ المراد جنس العاشي والشيطان المقيض له . { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } الضمائر الثلاثة الأول له والباقيان للشيطان . { حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا } أي العاشي ، وقرأ الحجازيان وابن عامر وأبو بكر « جاءانا » أي العاشي والشيطان . { قَالَ } أي العاشي للشيطان . { يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } بعد المشرق من المغرب ، فغلب المشرق وثنى وأضيف البعد إليهما . { فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } أنت . { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ } أي ما أنتم عليه من التمني . { إِذ ظَّلَمْتُمْ } إذ صح إنكم ظلمتم أنفسكم في الدنيا بدل من { ٱلْيَوْمَ } . { أَنَّكُمْ فِى ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وشياطينكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه ، ويجوز أن يسند الفعل إليه بمعنى . ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب كما ينفع الواقعين في أمر صعب معاونتهم في تحمل أعبائه وتقسمهم لمكابدة عنائه ، إذ لكل منكم ما لا تسعه طاقته . وقرىء { إِنَّكُمْ } بالكسر وهو يقوي الأول . { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِى ٱلْعُمْىَ } إِنكار وتعجب من أن تحمل هو الذي يقدر على هدايتهم بعد تمرنهم على الكفر واستغراقهم في الضلال بحيث صار عشاهم عمى مقروناً بالصمم . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعب نفسه في دعاء قومه وهم لا يزيدون إلا غياً فنزلت . { وَمَن كَانَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } عطف على { ٱلْعَمَىٰ } باعتبار تغاير الوصفين ، وفيه إشعار بأن الموجب لذلك تمكنهم في ضلال لا يخفى .