Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 36-57)

Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ورقي إلى الملك أن غلامه الخباز يريد أن يجعل في طعامه سماً ، ورقي إليه في غلامه الساقي مثل ذلك ، فذلك قوله : { وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانَ } ، الخباز والساقي ، اسم أحدهما شرهم أقم ، وهو الساقي ، واسم الخباز شرهم أشم ، { قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ } في المنام كأني { أَعْصِرُ خَمْراً } ، يعني عنباً ، قال : كأني دخلت البستان ، فإذافيه أصل كرم ، وعليه ثلاث عناقيد ، فكأني أعصرهن وأسقي الملك ، { وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ } ، رأيت في المنام كأني { أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً } ، ثلاث سلال ، وأعلاهن جفنة من خبز فوق رأسي ، مثل قوله : { فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ } [ الأنفال : 12 ] ، ومثله قوله : { ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ } [ إبراهيم : 26 ] ، يعني أعلا الأرض ، { تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ } ، يقول : أخبرنا بتفسير ما رأينا في المنام ، { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ آية : 36 ] ، وكان إحسانه في السجن أنه كان يعود مرضاهم ويداويهم ، ويعزي مكروبهم ، ورآه متعبداًَ لربه ، فهذا إحسانه . { قَالَ } يوسف : ألا أخبر كما بأعجب من الرؤيا التي رأيتما ، قال : { لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ } ، إلا أخبرتكما بألوانه { قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا } الطعام ، فقالوا ليوسف : إنما يعلم هذا الكهنة والسحرة ، وأنت لست في هيئة ذلك ، فقال يوسف لهما : { ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ } أولئك الكهنة والسحرة ، يعني أهل مصر ، { لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } ، يعني لا يصدقون بتوحيد الله ، ولا بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ، { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } [ آية : 37 ] . { وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } [ آية : 38 ] . ثم دعاهما إلى الإسلام وهما كافران ، فقال : { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ } ، يعني الخباز والساقي ، { أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ } ، أآلهة شتى تعبدون خير ، يعني أفضل ، { أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } [ آية : 39 ] لخلقه ؛ لأن الآلهة مقهورة ، كقوله في النمل : { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } [ النمل : 59 ] من الآلهة . ثم قال يوسف ، عليه السلام : { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ } من الآلهة { إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ } أنها آلهة ، { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ } ، يعني القضاء ، { إِلاَّ للَّهِ } في التوحيد ، { أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ } ، يقول : أمر الله أن يوحد ، ويعبد وحده ، له التوحيد ، { ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } ، يعني المستقيم ، وغيره من الأديان ليس بمستقيم ، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } ، يعني أهل مصر ، { لاَ يَعْلَمُونَ } [ آية : 40 ] بتوحيد ربهم . { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً } ، وهو الساقي ، قال له يوسف : تكون في السجن ثلاثة أيام ، ثم تخرج فتكون على عملك ، فتسقي سيدك خمراً ، { وَأَمَّا ٱلآخَرُ } ، وهو الخباز ، { فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ } ، واسمه شرهم أشم ، قال له يوسف : تكون في السجن ثلاثة أيام ، ثم تخرج فتصلب ، فتأكل الطير من رأسك فكره الخباز تعبير رؤياه ، فقال : ما رأيت شيئاً ، إنما كنت ألعب ، فقال له يوسف : { قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } [ آية : 41 ] ، رأيتما أو لم تريا ، فقد وقع بكما ما عبرت لكما . { وَقَالَ } يوسف { لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا } من القتل إضمار ، وهو الساقي : { ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } ، يعني سيدك ، فإنه يسرني أن يخرجني من السجن ، يقول الله : { فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } ، يعني يوسف دعاء ربه ، فلم يدع يوسف ربه الذي في السماء ليخرجه من السجن ، واستغاث بعبد مثله ، يعني الملك ، فأقره الله في السجن عقوبة حين رجا أن يخرجه غير الله عز وجل ، فذلك قوله : { فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } [ آية : 42 ] ، يعني خمس سنين حتى رأى الملك ، فأقره الله في السجن عقوبة حين رجا أن يخرجه غير الله عز وجل ، فذلك قوله : { فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } [ آية : 42 ] ، يعني خمس سنين حتى رأى الملك الرؤيا ، وكان في السجن قبل ذلك سبع سنين ، وعوقب ببضع سنين ، يعني خمس سنين ، فكان في السجن اثنتا عشرة سنة ، فذلك قوله : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ } [ يوسف : 35 ] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو أن يوسف ذكر ربه ، ولم يستغث بالملك ، لم لبث في السجن بضع سنين ، ولخرج من يومه ذاك " ، قال : وأتى جبريل يوسف حين استغاث بالملك وترك دعاء ربه ، فقال له : إن الله يقول لك : يا ابن يعقوب ، من حببك إلى أبيك وأنت أصغرهم ؟ قال : أنت يا إلهي ، قال : إن الله يقول : من عصمك من الخطيئة وقد هممت بها ؟ قالك أنت يا إلهي ، قال : فكيف تركتنى واستغثت بعبد مثلك ؟ فلما سمع يوسف ذكر الخطيئة ، قال : يا إلهى ، إن كان خلق وجهي عندك من أجل خطيئتى ، فأسألك بوجه أبي وجدي أن تغفر لي خطيئتي . { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ } ، وهو الريان بن الوليد ، للملأ من قومه { إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ } ، أي بقرات ، { عِجَافٌ وَ } رأيت { وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ } ، ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ } وهم علماء أهل الأرض ، وكان أهل مصر من أمهر الكهنة والعرافين ، { إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [ آية : 43 ] ، ولم يعلموا تأويل رؤياه . فـ { قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ } ، يعني أحلام مختلطة كاذبة ، ثم علموا أن لها تعبيراً ، وأنها ليست من الأحلام المختلطة ، فمن ثم قالوا : { وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ } [ آية : 44 ] ، وجاءه جبريل ، عليه السلام ، فأخبره أنه يخرج من السجن غداً ، وأن الملك قد رأى رؤيا ، فلما نظر يوسف إلى جبريل عليه البياض مكلل باللؤلؤ . قال مقاتل : قال له : أيها الملك الحسن وجهه ، الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، أي رسل ربي أنت ؟ قال : أنا جبريل ، قال : ما أتى بك ؟ قال : أبشرك بخروجك ، قال : ألك علم بيعقوب أبي ما فعل ؟ قال : نعم ، ذهب بصره من الحزن عليك . قال : أيها الملك الحسن وجهه ، الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، ما بلغ من حزنه ؟ قال : بلغ حزنه حزن سبعين مثكلة بولدها ، قال : أيها الملك الحسن وجهه ، الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، فما له من الأجر ؟ قال : أجر مائة شهيد ، وألف مثكلة موجعة ، قال : أيها الملك الحسن وجهه ، الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، هل رأيت يعقوب ؟ قال : نعم ، قال أيها الملك ، من ضم إليه بعدي ؟ قال : أخاك بنيامين ، قال يوسف : يا ليت السباع تقسمت لحمى ولم يلق يعقوب في سبيلي ما لقي . فلما سمع الساقي رؤيا الملك ، ذكر تصديق عبارة يوسف ، عليه السلام ، في نفسه ، وفي الخباز ، فذلك قوله : { وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا } من القتل { وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } ، يعني وذكر بعد حين : { أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ } ، يعني بتعبيره ، { فَأَرْسِلُونِ } [ آية : 45 ] إلى يوسف . فلما أتى يوسف ، قال له الساقي : { يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ } ، يعني أيها الصادق فيما عبرت لي ولصاحبي ، { أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ } ، قال : أما البقرات السبع السمان ، والسنبلات الخضر ، فهن سبع سنين مخصبات ، وأما البقرات العجاف السبع ، والسنبلات السبع الأخر اليابسات ، فهن المجدبات ، ثم قال الساقي : { لَّعَلِّيۤ أَرْجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ } ، يعني أهل مصر ، { لَعَلَّهُمْ } ، يعني لكي { يَعْلَمُونَ } [ آية : 46 ] تعبيرها ، يعني تعبير هذه الرؤيا . ثم علمهم كيف يصنعون ، { قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً } ، يعني دائبين في الزرع ، ثم علمهم يوسف ما يصنعون ، فقال : { فَمَا حَصَدتُّمْ } من حب ، { فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ } ، فإنه أبقى له لئلا يأكله السوس ، { إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ } [ آية : 47 ] ، فتشقونه . { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } ، يعني من بعد السنين المخصبات ، { سَبْعٌ شِدَادٌ } ، يعني مجدبات ، { يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ } ، يعني ما ذخرتم لهن في هذه السنين الماضية ، { إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ } [ آية : 48 ] ، يعني مما تدخرون فتحرزونه . { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } ، يعني من بعد السنين المجدبات ، { عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ } ، يعني أهل مصر بالمطر ، { وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } [ آية : 49 ] العنب ، والزيت من الخصب ، هذا من قول يوسف ، وليس من رؤيا الملك ، فرجع الرسول فأخبره فعجب . { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ } واسمه الريان بن الوليد { ٱئْتُونِي بِهِ } ، يعني بيوسف ، { فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ } ، يعني رسول الملك ، وهو الساقي ، { قَالَ } له : { ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ } ، يعني سيدك ، { فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ } الخمس { ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } ، يعني حززن أصابعهن بالسكين ، { إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ } ، يعني بقولهن { عَلِيمٌ } [ آية : 50 ] حين قلن : ما يمنعك أن تقضى لها حاجتها ؟ وأراد يوسف ، عليه السلام ، أن يستبين عذره عند الملك قبل أن يخرج من السجن ، ولو خرج يوسف حين أرسل إليه الملك قبل أن يبرئ نفسه ، لم يزل متهماً في نفس الملك ، فمن ثم قال : { قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ } ، فيشهدان أن امرأة العزيز قالت : { وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ } [ يوسف : 32 ] . فلما سألهن الملك ، { قَالَ } لهن : { مَا خَطْبُكُنَّ } ، يعني ما أمركن ، كقوله : { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } [ الحجر : 57 ] ، يعني ما أمركم ، { إِذْ رَاوَدتُنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ } ، وذلك أنهن قلن حين خرج عليهن يوسف من البيت : ما عليك أن تقضي لها حاجتها ؟ فأبى عليهن ، فرددن على الملك ، { قُلْنَ حَاشَ للَّهِ } ، يعني معاذ الله ، { مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ } ، يعني الزنا ، فلما سمعت زليخا قول السنوة ، { قَالَتِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ } عند ذلك ، { ٱلآنَ حَصْحَصَ } ، يعني الآن تبين { ٱلْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ } يوسف { لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ آية : 51 ] في قوله . فأتاه الرسول في السجن ، فأخبره بقول النسوة عند الملك ، قال يوسف : { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ } ، يقول : هذا ليعلم سيده { أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } في أهله ، ولم أخالفه فيهن ، { وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ } [ آية : 52 ] ، يعني لا يصلح عمل الزناة ، يقول : يخذلهم ، فلا يعصمهم من الزنا ، فأتاه الملك ، وهو جبريل ، بالبرهان الذي رأى ، فقال ليوسف : أين ما هممت به أولاً حين حللت سراويلك وجلست بين رجليها ؟ . فلما ذكر الملك ذلك ، قال عند ذلك : { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ } ، يعني قلبي من الهم ، لقد هممت بها ، { إِنَّ ٱلنَّفْسَ } ، يعني القلب { لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ } للجسد ، يعني بالإثم ، ثم استثنى ، فقال : { إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } ، يعني إلا ما عصم ربى ، فلا تأمر بالسوء ، { إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ } لما هم به من المعصية ، { رَّحِيمٌ } [ آية : 53 ] به حين عصمه . { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } ، يعني أتخذه ، { فَلَمَّا } أتاه يوسف وَ { كَلَّمَهُ } ، أي كلم الملك ، { قَالَ } ليوسف : { إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ } ، يقول : عندنا وجيه ، { أَمِينٌ } [ آية : 54 ] على ما وكلت به ، كقوله : { عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } [ التكوير : 20 ] . ثم { قَالَ } يوسف للملك : { ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ } بمصر ، { إِنِّي حَفِيظٌ } لما وكلتنى به ، { عَلِيمٌ } [ آية : 55 ] ، يعني عالم بلغة الناس كلها . قال مقاتل : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو قال : إني حفيظ عليم إن شاء الله ، لملك من يومه ذلك " ، وقال ابن عباس : لبث بعد ذلك سنة ونصفاً ، ثم ملك أرض مصر . وقال مقاتل : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " عجبت من صبر يوسف وكرمه ، والله يغفر له ، لو كنت أنا لبادرت الباب حين بعث إليه الملك يدعوه " { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ } ، يعني وهكذا مكنا ليوسف الملك { فِي ٱلأَرْضِ } ، في أرض مصر ، لـ { يَتَبَوَّأُ } ، يقول : ينزل { مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا } ، يعني سعتنا ، { مَن نَشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ آية : 56 ] ، يعني نوفيه جزاءه ، فجزاه الله بالصبر على البلاء ، والصبر على المعصية بأن ملكه على مصر . ثم قال : { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ } ، يعني أكبر ، يعني جزاء الآخرة أفضل مما أعطي في الدنيا من الملك ، { لِّلَّذِينَ آمَنُواْ } ، يعني صدقوا بالتوحيد ، { وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } [ آية : 57 ] الشرك مثل الذي اتقى يوسف ، عليه السلام .