Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 58-81)

Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ } من أرض كنعان ، { فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ } ، أي على يوسف بمصر ، { فَعَرَفَهُمْ } يوسف ، { وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } [ آية : 58 ] ، يقول : وهم لا يعرفون يوسف ، فقال : من أنتم ؟ قالوا : نحن بنو يعقوب ، نحن من أهل كنعان ، قال : كم أنتم ؟ قالوا : نحن أحد عشر ، قال : ما لي لا أرى الأحد عشر ؟ قالوا : واحد منا عند أبينا ، قال : ولم ذلك ؟ قالوا : إن أخاه لأمه أكله الذئب ، فلذلك تركناه عند أبينا ، فهو يستريح . { وَلَمَّا جَهَّزَهُم } يوسف { بِجَهَازِهِمْ } ، يعني في أمر الطعام ، { قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ } ، يعني بنيامين ، وكان أخاهم من أبيهم ، وكان أخا يوسف لأبيه وأمه ، { أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي } ، يعني أوفي لكم { ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } [ آية : 59 ] ، وأنا أفضل من يضيف بمصر . { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ } ، يعني فلا بيع لكم { عِندِي } من الطعام ، { وَلاَ تَقْرَبُونِ } [ آية : 60 ] بلادي . { قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ } يعقوب ، { وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } [ آية : 61 ] ذلك بأبيه . { وَقَالَ } يوسف { لِفِتْيَانِهِ } ، يعني لخدامه وهم يكيلون لهم الطعام ، { ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ } ، يعني دراهمهم { فِي رِحَالِهِمْ } ، يعني في أوعيتهم ، { لَعَلَّهُمْ } ، يعني لكي { يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ } ، يعني لكي { يَرْجِعُونَ } [ آية : 62 ] إلينا فلا يحبسهم عنا حبس الدراهم إذا ردت إليهم ؛ لأنهم كانوا أهل ماشية . { فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلْكَيْلُ } ، يعني منع كيل الطعام ، فيه إضمار فيما يستأنف ، { فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا } بنيامين { نَكْتَلْ } الطعام بثمن ، { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ آية : 63 ] من الضيعة . { قَالَ } أبوهم : { هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ } في قراءة ابن مسعود : هل تحفظونه إلا كما حفظتم أخاه يوسف من قبل بنيامين ، { فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً } ، يعني فالله خير حافظاً منكم ، { وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [ آية : 64 ] ، يعني أفضل الراحمين . { وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ } ، يعني حلوا أوعيتهم ، { وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ } ، يعني دراهمهم ، فيها إضمار ، { رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مَا نَبْغِي } بعد { هَـٰذِهِ } إضمار فإنهم قد ردوا علينا الدراهم ، هذه { بِضَاعَتُنَا } ، يعني دراهمنا { رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا } الطعام ، { وَنَحْفَظُ أَخَانَا } بنيامين من الضيعة ، { وَنَزْدَادُ } من أجله { كَيْلَ بَعِيرٍ } ، وكان أهل مصر يبيعون الطعام على عدة الرجال ، ولا يبيعون على عدة الدواب ، وكان الطعام عزيزاً ، فذلك قوله : { كَيْلَ بَعِيرٍ } من أجله ، { ذٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ } [ آية : 65 ] سريع لا حبس فيه . { قَالَ } أبوهم : { لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ } ، يعني تعطونى عهداً من الله ، { لَتَأْتُنَّنِي بِهِ } ، يعني بنيامين ولا تضيعوه كما ضيعتم أخاه يوسف ، { إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } ، يعني يحيط بكم الهلاك فتهلكوا جميعاً ، { فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ } ، يعني عهدهم ، { قَالَ } يعقوب : { ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } [ آية : 66 ] ، يعني شهيداً بيني وبينكم ، نظيرها في القصص : { وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } [ القصص : 28 ] . فلما سرح بنيامين معهم ، خشي عليهم العين ، وكان بنوه لهم جمال وحسن ، { وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ } مصر { مِن بَابٍ وَاحِدٍ } ، يعني من طريق واحد ، { وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ } ، من طرق شتى ، ثم قال : { وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ } إذا جاء قضاء الله ، { مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ } ، يعني ما القضاء إلا لله ، { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } ، يقول : به أثق ، { وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } [ آية : 67 ] ، يعني به فليثق الواثقون . { وَلَمَّا دَخَلُواْ } مصر { مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم } من طرق شتى ، أخذ كل واحد منهم في طريق على حدة ، يقول الله تعالى : { مَّا كَانَ } يعقوب { يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا } ، كقوله : { وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً } [ الحشر : 9 ] ، وهذا من كلام العرب ، يعني إلا أمر شجر في نفس يعقوب ، { وَإِنَّهُ } ، يعني أباهم { لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ } ؛ لأن الله تعالى علمه أنه لا يصيب بنيه إلا ما قضى الله عليهم ، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [ آية : 68 ] . { وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ } ، يعني ضم إليه أخاه ، { قَالَ إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ آية : 69 ] ، يقول : فلا تحزن بما سرقوك وجاءوا بالدراهم التي كانت في أوعيتهم فردوها إلى يوسف ، عليه السلام . { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ } ، يقول : فلما قضى في أمر الطعام حاجتهم ، { جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ } ، وهى الإناء الذى يشرب به الملك ، { فِي رَحْلِ أَخِيهِ } بنيامين ، { ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ } ، يعني نادى مناد ، اسمه بعرايم بن بربري ، من فتيان يوسف : { أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ } ، يعني الرفقة ، { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } [ آية : 70 ] ، فانقطعت ظهورهم وساء ظنهم . فـ { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ } ، فيها تقديم وأقبلوا على المنادي ، ثم قالوا : { مَّاذَا تَفْقِدُونَ } [ آية : 71 ] . { قَالُواْ } المنادي ومن معه لإخوة يوسف : { نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِك } ، يعني إناء الملك ، وكان يكال به كفعل أهل العساكر ، { وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ } ، يعني وقر بعير ، { وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } [ آية : 72 ] ، يعني به كفيل . فرد الإخوة القول على المنادى ، { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ } ، يعني أرض مصر بالمعاصى ، { وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } [ آية : 73 ] ، وقد رددنا عليكم الدراهم التى كانت في أوعيتنا ، ولو كنا سارقين ما رددناها عليكم . { قَالُواْ } ، أي المنادي ومن معه : { فَمَا جَزَآؤُهُ } ، أي السارق ، { إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ } [ آية : 74 ] . { قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ } ، يعني في وعائه ، يعني المتاع ، { فَهُوَ جَزَاؤُهُ } ، يعني هو مكان سرقته ، { كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } [ آية : 75 ] ، يعني هكذا نجزي السارقين ، كقوله في المائدة : { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِه } [ المائدة : 39 ] ، يعني بعد سرقته ، وكان الحكم بأرض مصر أن يغرم السارق عبداً يستخدم على قدر ضعف ما سرق ويترك ، وكان الحكم بأرض كنعان أن يتخذ السارق عبداً يستخدم على قدر سرقته ، ثم يخلى سبيله ، فيذهب حيث شاء ، فحكموا بأرض مصر بقضاء أرضهم . { فَبَدَأَ } المنادي { بِأَوْعِيَتِهِمْ } ، فنظر فيها ، فلم ير شيئاً ، { قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ } ، ثم انصرف ولم ينظر في وعاء بنيامين ، فقال : ما كان هذا الغلام ليأخذ الإناء ، قال إخوته : لا ندعك حتى تنظر في وعائه ، فيكون أطيب لنفسك ، فنظر ، فإذا هو بالإناء { ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيه } ، يعني من متاع أخيه ، وهو أخو يوسف لأبيه وأمه ، { كَذٰلِكَ كِدْنَا } ، يعني هكذا صنعنا { لِيُوسُفَ } أن يأخذ أخاه خادماً بسرقته في دين الملك ، يعني في سلطان الملك ، فذلك قوله : { مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ } ، يعني ليحبس أخاه ، { فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ } ، يعني حكم الملك ؛ لأن حكم الملك أن يغرم السارق ضعف ما سرق ثم يترك ، { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } ذلك ليوسف ، { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ } ، يعني فضائل يوسف حين أخذ أخاه ، ثم قال : { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [ آية : 76 ] ، يقول الرب تعالى عالم ، { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } ، يقول : يوسف أعلم إخوته . ثم قال إخوة يوسف : { قَالُوۤاْ إِن يَسْرِقْ } بنيامين ، { فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } بنيامين يعنون يوسف ، عليه السلام ، وذلك أن جد يوسف أبا أمه كان اسمه لاتان ، كان يعبد الأصنام ، فقالت راحيل لابنها يوسف ، عليه السلام : خذ الصنم ففر به من البيت ، لعله يترك عبادة الأوثان ، وكان من ذهب ، ففعل ذلك يوسف ، عليه السلام ، فتلك سرقة يوسف التى قالوا ، فلما سمع يوسف مقالتهم ، { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ } ، ولم يظهرها لهم ، { قَالَ } في نفسه : { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } ، ولم يسمعهم ، قال : أنتم أسوأ صنعاً فيما صنعتم بيوسف ، { وَٱللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ } [ آية : 77 ] ، يعني بما تقولون من الكذب أن يوسف سرق . فعندها قالوا : ما لقينا من ابني راحيل يوسف وأخيه ؟ فقال بنيامين : ما لقي ابنا راحيل منك ؟ أما يوسف ، فقد فعلتم به ما فعلتم ، وأما أنا فسرقتموني ، قالوا : فمن جعل الإناء في متاعك ؟ قال : جعله في متاعي الذي جعل الدراهم في أمتعتكم ، فلما ذكر الدراهم شتموه ، وقالوا : لا تذكر الدراهم ، في أمتعتكم ، مخافة أن يؤخذوا بها . { قَالُواْ } ، أي إخوة يوسف ليوسف : { يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ } ، وذلك أن أرض مصر صارت إليه ، وهو خازن الملك ، { إِنَّ لَهُ } ، يعني بنيامين ، { أَباً شَيْخاً كَبِيراً } ، حزيناً على ابن مفقود ، { فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ آية : 78 ] إلينا إن فعلت بنا ذلك . { قَالَ } يوسف : { مَعَاذَ ٱللَّهِ } ، يقول : نعوذ بالله { أَن نَّأْخُذَ } ، يعني أن نحبس بالسرقة { إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّـآ إِذاً لَّظَالِمُونَ } [ آية : 79 ] أن نأخذ البرىء مكان السقيم . { فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ } ، يقول : يئسوا من بنيامين ، { خَلَصُواْ نَجِيّاً } ، يعني خلوا يتناجون بينهم على حدة ، وقال بعضهم لبعض : { قَالَ كَبِيرُهُمْ } ، يعني عظيمهم في أنفسهم وأعلمهم ، وهو يهوذا ، ولم يكن أكبرهم في السن : { أَلَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ } ، يعني في أمر بنيامين لتأتينه به ، { وَمِن قَبْلُ } بنيامين { مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ } ، يعني ضيعتم ، { فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ } ، يعني أرض مصر ، { حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيۤ أَبِيۤ } في الرجعة ، { أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِي } فيرد عليَّ بنيامين ، { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ } [ آية : 80 ] ، يعني أفضل القاضين . { ٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يٰأَبَانَا إِنَّ ٱبْنَكَ سَرَقَ } ، يعني بنيامين ، { وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } [ آية : 81 ] ، يعني وما كنا نرى أنه يسرق ، ولو علمنا ما ذهبنا به معنا .