Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 22-33)
Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَحَمَلَتْهُ } أمه مريم عليها السلام ، وهي ابنة ثلاث عشرة سنة ، ومكثت مع عيسى ، عليه السلام ، ثلاثاً وثلاثين سنة ، وعاشت بعدما رفع عيسى ست سنين ، فماتت ولها اثنتان وخمسون سنة ، فحملته أمه في ساعة واحدة ، وصور في ساعة واحدة ، وأرضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها ، وقد كانت حاضت حيضتين قبل حمله ، { فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ } ، يعني فانفردت بعيسى صلى الله عليه وسلم ، { مَكَاناً قَصِيّاً } [ آية : 22 ] ، يعني نائياً من أهلها من وراء الحيل . { فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } ، يعني فألجأها ، ولم يكن لها سعف ، { قَالَتْ } مريم : { يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا } ، الولد حياء من الناس ، ثم قالت : { وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً } [ آية : 23 ] ، يعني كالشيء الهالك الذي لا يذكر فينسى . { فَنَادَاهَا } جبريل ، عليه السلام ، { مِن تَحْتِهَآ } ، يعني من أسفل منها في الأرض ، وهي فوقه على رابية ، وجبريل ، عليه السلام ، يناديها بهذا الكلام : { أَلاَّ تَحْزَنِي } ، ذلك حين تمنت الموت ، { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } [ آية : 24 ] ، يعني الجدول الصغير من الأنهار . وقال جبريل ، عليه السلام ، لها : { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ } ، يعني وحركي إليك ، { بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } [ آية : 25 ] ، يعني بالجني ما ترطب به من البسر ، وكانت شجرة يابسة ، فاخضرت وهي تنظر ، ثم أجري الله عز وجل لها نهراً من الأردن حتى جاءها ، فكان بينهما وبين جبريل ، عليه السلام ، وهذا كلام جبريل لها ، وإنما جعل الله عز وجل ذلك لتؤمن بأمر عيسى صلى الله عليه وسلم ولا تعجب منه . حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، قال : قال مقاتل : وأخبرت عن ليث بن أبي سليم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : { إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً } ، يعني صمتاً . { فَكُلِي } من النخلة ، { وَٱشْرَبِي } من الماء العذب ، { وَقَرِّي عَيْناً } بالولد ، { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً } ، يعني صمتاً ، { فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } [ آية : 26 ] في عيسى صلى الله عليه وسلم . { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا } بالولد ، { تَحْمِلُهُ } إلى بنى إسرائيل في حجرها ملفوفاً في خرق ، { قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } [ آية : 27 ] ، يقول : أتيت أمراً منكراً . { يٰأُخْتَ هَارُونَ } الذي هو أخو موسى . حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، قال : قال مقاتل : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما عنوا هارون أخا موسى ؛ لأنها كانت من نسله " ، { مَا كَانَ أَبُوكِ } عمران ، { ٱمْرَأَ سَوْءٍ } ، يعني بزان ، كقوله سبحانه : { مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا } [ يوسف : 25 ] ، يعني الزنا ، وكقوله سبحانه : { مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ } [ يوسف : 51 ] ، وكان عمران من عظماء بنى إسرائيل ، { وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ } جنة ، { بَغِيّاً } [ آية : 28 ] بزانية ، فمن أين هذا الولد ؟ { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ } ، يعني إلى ابنها عيسى صلى الله عليه وسلم أن كلموه ، { قَالُواْ } ، قال قومها : { كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ } ، يعني من هو ، { فِي ٱلْمَهْدِ } ، يعني في حجر أمه ملفوفاً في خرق ، { صَبِيّاً } [ آية : 29 ] ، فدنا زكريا من الصبي ، فقال : تكلم يا صبى بعذرك إن كان لك عذر . فـ { قَالَ } الصبى ، وهو يومئذ ولد ، { إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ } ، وكذبت النصارى فيما يقولون ، فأول ما تكلم به الصبي أنه أقر لله بالعبودية ، { آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ } ، يعني أعطاني الإنجيل فعلمنيه ، { وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } [ آية : 30 ] . { وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً } ، يعني معلماً مؤدباً في الخير ، { أَيْنَ مَا كُنتُ } من الأرض ، { وَأَوْصَانِي بـِ } إقامة { ِٱلصَّلاَةِ وَ } إيتاء { وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } [ آية : 31 ] . { وَبَرّاً بِوَالِدَتِي } ، يقول : وأوصاني أن أكون براً بوالدتي ، يعني مطيعاً لأمي مريم ، { وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً } ، يعني متكبراً عن عبادة الله ، { شَقِيّاً } [ آية : 32 ] ، يعني عاصياً لله عز وجل . { وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ } ، فلما ذكر الوالدة ، ولم يذكر الوالد ، ضمه زكريا إلى صدره ، وقال : أشهد أنك عبد الله ورسوله ، { وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ } ، يعني حين ولدت ، { وَيَوْمَ أَمُوتُ } ، يعني وحين أموت ، { وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً } [ آية : 33 ] ، يعني وحين أبعث حياً بعد الموت في الآخرة ، ثم لم يتكلم بعد ذلك حتى كان بمنزلة غيره من الصبيان ، فلما قال : { وَبَرّاً بِوَالِدَتِي } ، ضمه زكريا .