Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 142-143)

Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ } ، وذلك " أن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا بمكة يصلون ركعتين بالغداة وركعتين بالعشى ، فلما عرج بالنبى صلى الله عليه وسلم إلى السماء ليلاً ، أمر بالصلوات الخمس ، فصارت الركعتان للمسافر ، وللمقيم أربع ركعات ، فلما هاجر إلى المدينة لليلتين خلتا من ربيع الأول ، أمر أن يصلى نحو بيت المقدس ؛ لئلا يكذب به أهل الكتاب إذا صلى إلى غير قبلتهم مع ما يجدون من نعته فى التوراة ، فصلى النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه قبل بيت المقدس من أول مقدمه المدينة سبعة عشر شهراً ، وصلت الأنصار قبل بيت المقدس سنتين قبل هجرة النبى صلى الله عليه وسلم ، وكانت الكعبة أحب القبلتين إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، فقال لجبريل ، عليه السلام : " وددت أن ربى صرفنى عن قبلة اليهود إلى غيرها " . فقال جبريل عليه السلام : إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئاً ، فاسأل ربك ذلك ، وصعد جبريل إلى السماء ، وجعل النبى صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل ، عليه السلام ، بما سأل . " فأنزل الله عز وجل فى رجب عند صلاة الأولى قبل قتال بدر بشهرين : { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } ، ولما صرفت القبلة إلى الكعبة ، قال مشركو مكة : قد تردد على أمره واشتاق إلى مولد آبائه ، وقد توجه إليكم وهو راجع إلى دينكم ، فكان قولهم هذا سفهاً منهم ، فأنزل الله عز وجل : { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ } ، يعنى مشركي مكة ، { مَا وَلاَّهُمْ } ، يقول : ما صرفهم { عَن قِبْلَتِهِمُ } الأولى { ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل } يا محمد { للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ آية : 142 ] ، يعنى دين الإسلام ، يهدى الله نبيه والمؤمنين لدينه . { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } ، وذلك أن اليهود منهم مرحب ، ورافع ، وربيعة ، قالوا لمعاذ : ما ترك محمد قبلتنا إلا حسداً ، وإن قبلتنا قبلة الأنبياء ، ولقد علم محمد أنا عدل بين الناس ، فقال معاذ : إنا على حق وعدل ، فأنزل الله عز وجل فى قول معاذ : { وَكَذَلِكَ } ، يعنى وهكذا ، { جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } ، يعنى عدلاً ، نظيرها فى ن والقلم ، قوله سبحانه : { قَالَ أَوْسَطُهُمْ } [ القلم : 28 ] ، يعنى أعدلهم ، وقوله سبحانه : { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } [ المائدة : 89 ] ، يعنى أعدل ، فقول الله : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } ، يعنى أمة محمد تشهد بالعدل فى الآخرة بين الأنبياء وبين أممهم ، { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } ، يعني على الرسل هل بلغت الرسالة عن ربها إلى أممهم ، { وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ } ، يعني محمد صلى الله عليه وسلم { عَلَيْكُمْ شَهِيداً } ، يعني على أمته أنه بلغهم الرسالة . { وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ } ، يعني بيت المقدس ، { إِلاَّ لِنَعْلَمَ } ، إلا لنرى { مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ } ، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم على دينه فى القبلة ومن يخالفه من اليهود ، { مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } ، يقول : ومن يرجع إلى دينه الأول ، { وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً } ، يعني القبلة حين صرفها عن بيت المقدس إلى الكعبة ، فعظمت على اليهود ، ثم استثنى ، فقال : { إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } فإنه لا يكبر عليهم ذلك ، { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } ، وذلك أن حيى بن أخطب اليهودى وأصحابه قالوا للمسلمين : أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس ، أكانت هدى أم ضلالة ، فوالله لئن كانت هدى لقد تحولتم عنه ، ولئن كانت ضلالة لقد دنتم الله بها فتقربتم إليه بها ، وإن من مات منكم عليها مات على الضلالة . فقال المسلمون : إنما الهدى ما أمر الله عز وجل به ، والضلالة ما نهى الله عنه ، قالوا : فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا ؟ وكان قد مات قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة : أسعد بن زرارة ابن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار بن مالك ابن الخزرج ، من بنى النجار ، ومات البراء بن معرور بن صخر بن سنان بن عبيد بن عدى بن سلمة بن سعد بن على بن شاردة بن زيد بن جشم بن الخزرج ، من بنى سلمة ، وكانا من النقباء ، ومات رجال ، فانطلقت عشائرهم ، فقالوا للنبى صلى الله عليه وسلم : توفى إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى ، وقد صرفك الله عز وجل إلى قبلة إبراهيم ، عليه السلام ، فيكف بإخواننا ، فأنزل الله عز وجل : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } ، يعني إيمان صلاتكم نحو بيت المقدس ، يقول : لقد تقبلت منهم ، { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ } ، يعنى يرق لهم ، { رَّحِيمٌ } [ آية : 143 ] حين قبلها منهم قبل تحويل القبلة .