Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 52-68)
Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ } بنى إسرائيل ليلاً { إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ } [ آية : 52 ] يعنى يتبعكم فرعون وقومه ، فأمر جبريل ، عليه السلام ، كل أهل أربعة أبيات من بنى إسرائيل فى بيت ، ويعلم تلك الأبواب بدم الخراف ، فإن الله عز وجل يبعث الملائكة إلى أهل مصر ، فمن لم يروا على بابه دماً دخلوا بيته فقتلوا أبكارهم ، من أنفسهم وأنعامهم ، فيشغلهم دفنهم إذا أصبحوا عن طلب موسى ، ففعلوا واستعاروا حلى أهل مصر ، فساروا من ليلتهم قبل البحر ، هارون على المقدمة ، وموسى على الساقة ، فأصبح فرعون من الغد يوم الأحد ، وقد قتلت الملائكة أبكارهم ، فاشتغلوا بدفنهم ، ثم جمع الجموع فساروا يوم الاثنين فى طلب موسى ، عليه السلام ، وأصحابه ، وهامان على مقدمة فرعون فى ألفى ألف وخمس مائة ، ويقال : ألف ألف مقاتل . فذلك قوله عز وجل : { فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } [ آية : 53 ] يحشرون الناس فى طلب موسى ، عليه السلام ، وهارون ، عليه السلام ، وبنى إسرائيل . ثم قال فرعون : { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ } يعنى بنى إسرائيل { لَشِرْذِمَةٌ } يعنى عصابة { قَلِيلُونَ } [ آية : 54 ] وهم ست مائة { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ } [ آية : 55 ] لقتلهم أبكارنا ، ثم هربوا منا { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } [ آية : 56 ] علينا السلاح . يقول الله تعالى : { فَأَخْرَجْنَاهُمْ } من مصر { مِّن جَنَّاتٍ } يعنى البساتين { وَعُيُونٍ } [ آية : 57 ] يعنى أنهار جارية { وَكُنُوزٍ } يعنى الأموال الظاهرة من الذهب والفضة ، وإنما سمى كنزاً ، لأنه لم يعط حق الله عز وجل منه ، وكل ما لم يعط حق الله تعالى منه ، فهو كنز ، وإن كان ظاهراً . قال سبحانه : { وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } [ آية : 58 ] يعنى المساكن الحسان { كَذَلِكَ } هكذا فعلنا بهم فى الخروج من مصر ، وما كانوا فيه من الخير . ثم قال سبحانه : { وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ آية : 59 ] ، وذلك أن الله عز وجل رد بنى إسرائيل بعدما أغرق فرعون وقومه إلى مصر { فَأَتْبَعُوهُم } يقول : فاتبعهم فرعون وقومه { مُّشْرِقِينَ } [ آية : 60 ] يعنى ضحى { فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ } يعنى جمع موسى ، عليه السلام ، وجمع فرعون ، فعاين بعضهم بعضاً ، { قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [ آية : 61 ] هذا فرعون وقومه لحقونا من ورائنا ، وهذا البحر أمامنا قد غشينا ، ولا منقذ لنا منه . { قَالَ } موسى ، عليه السلام : { كَلاَّ } لا يدركوننا { إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ آية : 62 ] الطريق ، وذلك أن جبريل ، عليه السلام ، حين أتاه فمره بالمسير من مصر ، قال : موعد ما بيننا وبينك البحر ، فعلم موسى ، عليه السلام ، أن الله عز وجل سيجعل له مخرجاً ، وذلك يوم الاثنين العاشر من المحرم . فلما صار موسى إلى البحر أوحى الله عز وجل إليه ، { فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ } فجاءه جبريل ، عليه السلام ، فقال : اضرب بعصاك البحر ، فضربه بعصاه فى أربع ساعات من النهار ، { فَٱنفَلَقَ } البحر فانشق الماء اثنى عشر طريقاً يابساً ، كل طريق طوله فرسخان وعرضه فرسخان ، وقام الماء عن يمين الماء ، وعن يساره ، كالجبل العظيم ، فذلك قوله عز وجل : { فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } [ آية : 63 ] يعنى كالجبلين المقابلين كل واحد منهما على الآخر ، وفيهما كوى من طريق إلى طريق لينظر بعضهم إلى بعض إذا ساروا فيه ليكون آنس لهم إذا نظر بعضهم إلى بعض ، فسلك كل سبط من بنى إسرائيل فى طريق لا يخالطهم أحد من غيرهم ، وكانوا اثنى عشر سبطاً ، فساروا فى اثنى عشر طريقاً فقطعوا البحر ، وهو نهر النيل بين أيلة ، ومصر ، نصف النهار فى ست ساعات من النهار يوم الاثنين ، وهو يوم العاشر من المحرم ، فصام موسى ، عيه السلام ، يوم العاشر شكراً لله عز وجل حين أنجاه الله عز وجل ، وأغرق عدوه فرعون ، فمن ثم تصومه اليهود ، وسار فرعون وقومه فى تمام ثمانية ساعات ، فلما توسطوا البحر تفرقت الطرق عليهمن فأغرقهم الله عز وجل أجمعين . فذاك قوله تعالى : { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ } [ آية : 64 ] يعنى هناك الآخرين ، قربنا فرعون وجنوده فى مسالك بنى إسرائيل { وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ } [ آية : 65 ] من الغرق فلم يبقى أحد إلا نجا { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } [ آية : 66 ] يعنى فرعون وقومه فى تمام تسع ساعات من النهار ، ثم أوحى الله عز وجل إلى البحر ، فألقى فرعون على الساحل فى ساعة ، فتلك عشر ساعات ، وبقى من النهار ساعتان . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } يقول : فى هلاك فرعون وقومه لعبرة لمن بعدهم ، { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } [ آية : 67 ] يقول : لم يكن أكثر أهل مصر مصدقين بتوحيد الله عز وجل ، ولو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا فى الدنيا ، ولم يؤمن من أهل مصر غير آسية امرأة فرعون ، وحزقيل المؤمن من آل فرعون ، وفيه الماشطة ، ومريم ابنة ناموثية التى دلت على عظام يوسف . { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } فى نقمته من أعدائه حين انتقم منهم { ٱلرَّحِيمُ } [ آية : 68 ] بالمؤمنين حين أنجاهم من العذاب ، وكان موسى بمصر ثلاثين سنة ، فلما قتل النفس خرج إلى مدين هارباً على رجليه فى الصيف بغير زاد ، وكان راعياً عشر سنين ، ثم بعثه الله رسولاً وهو ابن أربعين سنة ، ثم دعا قومه ثلاثين سنة ، ثم قطع البحر ، فعاش خمسين سنة فمات وهو ابن عشرين ومائة سنة صلى الله عليه وسلم ، وكان دعا فرعون وقومه عشر سنينن فلما أبو أرسل الله عليهم الطوفان والجراد والقمل ، وإلى آخر الآية ، ثم لبث فيهم أيضاً عشرين سنة كل ذلك ثلاثين سنة ، فلم يؤمنوا فأغرقهم الله أجمعين ، فعاش موسى ، عليه السلام ، عشرين ومائة سنة .