Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 10-14)
Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ } أعطينا داود { مِنَّا فَضْلاً } النبوة كقوله عز وجل للنبى صلى الله عليه وسلم في سورة النساء : { وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } [ النساء : 113 ] ، يعني النبوة والكتاب ، فذلك قوله عز وجل { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } النبوة والزبور وما سخر له من الجبل والطير والحديد ثم بين ما أعطاه ، فقال عز وجل : { يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } سبحي معه مع داود ، عليه السلام ، يقول : اذكري الرب مع داود ، وهو التسبيح ، ثم قال عز وجل : { وَ } سخرنا له { وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } [ آية : 10 ] فكان داود ، عليه السلام ، يضفر الحديد ضفر العجين من غير نار ، فيتخذها دروعاً طوالاً . فذلك قوله عز وجل : { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ } الدروع الطوال ، وكانت الدروع قبل داود إنما هي صفائح الحديد مضروبة ، فكان داود ، عليه السلام ، يشد الدروع بمسامير ما يقرعها بحديد ولا يدخلها النار ، فيقرع من الدروع في بعض النهار ، وبعض الليل ، بيده ثمن ألف درهم ، قال لداود : { وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ } يقول : قدر المسامير في الخلق ولا تعظم المسامير فتنقصم ولا تضفر المسامير فتسلس ، ثم قال الله عز وجل لآل داود : { وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً } يعني قولوا الحمد لله { إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ آية : 11 ] . ثم ذكر ابنه سليمان ، عليهما السلام ، وما أعطاه الله عز وجل من الخير والكرامة فقال عز وجل : { وَ } سخرنا { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ } يعني مسيرة شهر فتحملهم الريح من بيت المقدس إلى أصطخر وتروح بهما ذا بلستان { وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } يعني مسيرة فتحملهم إلى بيت المقدس لا تحول طيراً من فوقهم ولا ورقة من تحتهم ولا تثير تراباً ، ثم قال جل وعز : { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ } يعني أخرجنا لسليمان عين الصفر ثلاثة أيام تجري مجرى الماء بأرض اليمن { وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ } وسخرنا لسليمان من الجن من يعمل { بَيْنَ يَدَيْهِ } بين يدي سليمان { بِإِذْنِ رَبِّهِ } يعني رب سليمان عز وجل { وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ } ومن يعدل منهم { عَنْ أَمْرِنَا } عن أمر سليمان ، عليه السلام ، { نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ آية : 12 ] الوقود في الدنيا كان ملك بيده سوط من نار من يزغ عن أمر سليمان ضربه بسوط من نار فذلك عذاب السعير . { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ } يعني الجن لسليمان { مِن مَّحَارِيبَ } المساجد { وَتَمَاثِيلَ } من نحاس ورخام من الأرض المقدسة وأصطخر من غير أن يعبدها أحد ، ثم قال جل وعز : { وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ } وقصاع في العظم كحياض الإبل بأرض اليمن من العظم يجلس على كل قصعة واحد ألف رجل يأكلون منها بين يدي سليمان { وَقُدُورٍ } عظام لها قوائم لا تتحرك { رَّاسِيَاتٍ } ثابتات نتخذ من الجبال والقدور وعين الصفر بأرض اليمن ، وكان ملك سليمان ما بين مصر وكابل ، ثم قال جل وعز : { ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً } بما أعطيتم من الخير ، يقول الرب عز وجل : { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } [ آية : 13 ] . { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ } على سليمان { ٱلْمَوْتَ } وذلك أن سليمان ، عليه السلام ، كان دخل في السن وهو في بيت المقدس { مَا دَلَّهُمْ } ما دل الجن { عَلَىٰ مَوْتِهِ } على موت سليمان { إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ } يعني الأرضة ، وذلك أن الجن كانوا يخبرون الإنس أنهم يعلمون الغيب الذي يكون في غد فابتلوا بموت سليمان ببيت المقدس ، وكان داود أسس بيت المقدس موضع فسطاط موسى ، عليه السلام ، فمات قبل أن يبنى فبناه سليمان بالصخر والقار ، فلما حضره الموت قال لأهله : لا تخبروا الجن بموتي حتى يفرغوا من بناء بيت المقدس ، وكان قد بقي منه عمل سنة ، فلما حضره الموت ، وهو متكىء على عصاه ، وقد أوصى أن يكتم موته ، وقال : لا تبكوا عليّ سنة لئلا يتفرق الجن عن بناء بيت المقدس ، ففعلوا ، فلما بنوا سنة وفرغوا من بنائه سلط الله عز وجل عليه الأرضة عند رأس الحول على أسفل عصاه ، فأكلته ، فذلك قوله : { تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ } أسفل العصا فخر عند ذلك سليمان ميتاً ، فرأته الجن ، فتفرقت ، فذلك قوله عز وجل : { فَلَمَّا خَرَّ } سليمان { تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ } يعني تبينت الإنس { أَن لَّوْ كَانُواْ } الجن { يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ } يعني غيب موت سليمان { مَا لَبِثُواْ } حولاً { فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } [ آية : 14 ] والشقاء والنصب في بيت المقدس ، وإنما سموا الجن لأنهم استخفوا من الإنس ، فلم يروهم .