Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 15-21)

Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ } وهو زجل بن يشخب بن يعرب بن قحطان { فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ } ، ثم قال : { جَنَّتَانِ } أحدهم { عَن يَمِينٍ } الوادي { وَ } الأخرى عن { وَشِمَالٍ } الوادي ، واسم الوادي العرم ، يقول الله عز وجل لأهل تلك الجنتين : { كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ } الذي في الجنتين { وَٱشْكُرُواْ لَهُ } لله فيما رزقكم ثم قال : أرض سبأ { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ } بأنها خرجت ثمارها { وَ } ربكم إن شكرتم فيما رزقكم { وَرَبٌّ غَفُورٌ } [ آية : 15 ] للذنوب كانت المرأة تحمل مكتلاً على رأسها ، فتدخل البستان فيمتلىء مكتلها من ألوان الفاكهة والثمار من غير أن تمس شيئاً بيدها ، وكان أهل سبأ إذا أمطروا يأتيهم السيل من مسيرة أيام كثيرة إلى العرم ، فعمدوا فسدوا ما بين الجبلين بالصخر والقار ، فاستد زماناً ، وارتفع الماء على حافتي الوادي ، فصار فيهما ألوان الفاكهة والأعناب فعصوا ربهم ، فلم يشكروه ، فذلك قوله عز وجل : { فَأَعْرَضُواْ } عن الحق { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ } والسيل هو الماء ، والعرم اسم الوادي سلط الله عز وجل الفارة على البناء الذى بنو ، وتسمى الخلد ، فنقبت الردم ما بين الجبلين ، فخرج الماء ويبست جناتهم ، وأبدلهم الله عز وجل مكان الفاكهة والأعناب { وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ } وهو الأراك { وَأَثْلٍ } يعني شجرة تسمى الطرفاء يتخذون منها الأقداح النضار { وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ } [ آية : 16 ] وثمره السدر النبق . { ذَلِكَ } الهلاك { جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ } كافأناهم بكفرهم { وَهَلْ نُجْزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } [ آية : 17 ] وهل يكافأ بعمله السيء إلا الكفور لله عز وجل في نعمه . ثم { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ } بين أهل سبأ { وَبَيْنَ ٱلْقُرَى } قرى الأرض المقدسة الأردن وفلسطين { ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } بالشجر والماء { قُرًى ظَاهِرَةً } متواصلة وكان متجرهم من أرض اليمن إلى أرض الشام على كل ميل قرية وسوق ، لا يحلون عنده حتى يرجعوا إلى اليمين من الشام ، فذلك قوله عز وجل : { وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ } للمبيت والمقيل من قرية إلى قرية { سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } [ آية : 18 ] من الجوع والعطش والسباع ، فلم يشكروا ربهم وسالوا ربهم أن تكون القرى والمنازل بعضها أبعد من بعض . { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ } للناس { وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } يقول الله عز وجل وفرقناهم في كل وجه ، فلما خرجوا من أرض سبأ ، ساروا ، فأما الأزد فنزلوا البحرين وعمان ، وأما خزاعة فنزلوا مكة ، وأما الأنصار وهم الأوس والخزرج ، فنزلوا المدينة ، وأما غسان فنزلوا بالشام ، فهذا تمزقهم ، فلذلك قوله عز وجل : " كل ممزق " و " جعلناهم أحاديث " { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ } يعني في هلاك جنتيهم وتفريقهم عبرة { لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } [ آية : 19 ] يعني المؤمن من هذه الأمة صبور على البلاء إذا ابتلى أهل سبأ ، ثم قال : شكور لله عز وجل في نعمه . { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } وذلك أن إبليس خلق من نار السموم ، وخلق آدم من طين ، ثم قال إبليس : إن النار ستغلب الطين ، فقال : { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ } الآية ، فمن ثم صدق بقول الله عز وجل : { فَٱتَّبَعُوهُ } ثم استثنى عباده المخلصين ، فقال جل وعز : { إِلاَّ فَرِيقاً } طائفة { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ آية : 20 ] لم يتبعوه فيى الشرك ، وهم الذين قال الله : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } [ الحجر : 42 ] . ثم قال : { وَمَا كَانَ لَهُ } لإبليس { عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ } من ملك أن يضلهم عن الهدى { إِلاَّ لِنَعْلَمَ } لنرى { مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ } ليبين المؤمن من الكافر { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ } من الإيمان والشك { حَفُيظٌ } [ آية : 21 ] رقيب .