Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 19-26)
Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ } ، يعنى اليهود ، منهم : رافع بن أبى حريملة ، ووهب بن يهوذا ، { قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا } محمد صلى الله عليه وسلم ، { يُبَيِّنُ لَكُمْ } الدين ، { عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ } فيها تقديم ، وكان بين محمد وعيسى ، صلى الله عليهما وسلم ، ستمائة سنة ، { أَن تَقُولُواْ } ، يعنى لئلا تقولوا : { مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ } بالجنة ، { وَلاَ نَذِيرٍ } من النار ، يقول : { فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } ، يعنى النبى صلى الله عليه وسلم ، { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ آية : 19 ] ، إذ بعث محمداً رسولاً . { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } ، وهم بنو إسرائيل ، { يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } ، يعنى بالنعمة ، { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ } السبعين الذى جعلهم الله ، { أَنْبِيَآءَ } بعد موسى وهارون ، وبعدما أتاهم الله بالصاعقة ، { وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } ، يعنى أغنياء ، بعضكم عن بعض ، فلا يدخل عليه أحد إلا بإذنه بمنزلة الملوك فى الدنيا ، ثم قال : { وَآتَاكُمْ } ، يعنى وأعطاكم ، { مَّا لَمْ يُؤْتِ } ، يعنى ما لم يعط { أَحَداً مِّن ٱلْعَالَمِينَ } [ آية : 20 ] ، يعنى الخير والتوراة ، وما أعطاكم الله عز وجل فى التيه من المن والسلوى ، وما ظلل عليهم من الغمام وأشباه ذلك مما فضلوا به على غيرهم . فقال موسى : { يَاقَوْمِ } بنى إسرائيل ، { ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ } ، يعنى المطهرة { الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } ، يعنى التى أمركم الله عز وجل أن تدخلوها وهى أريحا أرض الأردن وفلسطين ، وهما من الأرض المقدسة ، { وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ } ، يعنى ولا ترجعوا ورائكم بترككم الدخول ، { فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } [ آية : 21 ] ، يعنى فترجعوا خاسرين . وذلك أن الله عز وجل قال لإبراهيم ، عليه السلام ، وهو بالأرض المقدسة : إن هذه الأرض التى أنت بها اليوم هى ميراث لولدك من بعدك ، فلما أخرج الله عز وجل موسى ، عليه السلام ، من مصر مع بنى إسرائيل ، وقطعوا البحر ، وأعطوا التوراة ، أمرهم موسى أن يدخلوا الأرض المقدسة ، فساروا حتى نزلوا على نهر الأردن فى جبل أريحا ، وكان فى أريحا ألف قرية ، فى كل قرية ألف بستان ، وجبنوا أن يدخلوها ، فبعث موسى ، عليه السلام ، اثنى عشر رجلاً ، من كل سبط رجلاً ، يأتونه بخبر الجبارين ، وأمرهم أن يأتوه منها بالثمرة . فلما أتوها خرج إليهم عوج بن عناق بنت آدم ، فاحتملهم ومتاعهم بيده حتى وضعهم بين يدى الملك بانوس بن سشرون ، فنظر إليهم ، فأمر بقتلهم ، فقالت امرأته : أيها الملك ، أنعم على هؤلاء المساكين ، فدعهم فليرجعوا وليأخذوا طريقاً غير الذى جاءوا فيه ، فأرسلهم لها ، فأخوا عنقوداً من كرومهم ، وحملوه على عمودين بين رجلين ، وعجزوا عن حمله ، وحملوا رمانتين على بعض دوابهم ، فعجزت الدابة عن حملهما حتى أتوا به أصحابهم وهم بواد يقال له : جبلان ، فسموا ذلك المنزل وادى العنقود . { قَالُوا يَامُوسَىٰ } وجدناها أرضاً مباركة تفيض لبناً وعسلاً كما عهد الله عز وجل إليك ، ولكن { إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ } ، يعنى قتالين أشداء يقتل الرجل منهم العصابة منا ، فإن كان الله عز وجل أراد أن يجعلها لنا منزلاً وسكناً ، فليسلطك عليهم فتقتلهم وإلا فليس لنا بهم قوة ، وحصنهم منيع ، فتتابع على ذلك منهم عشرة ، فقالوا لموسى : { إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ } ، طول كل رجل منهم سبعة أذرع ونصف من بقايا قوم عاد ، وكان عوج بن عناق بنت آدم فيهم ، { وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا } ، وهى أريحا ، { فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } [ آية : 22 ] . قال يوشع بن نون ، وهو من سبط بنيامين ، وكالب بن يوقنا ، وهو من سبط يهوذا ، { قَالَ رَجُلاَنِ } ، وهما الرجلان من القوم ، { مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ } من العدو وقد { أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا } بالإسلام ، قالا : ليس كما يقول العشرة ، سيروا حتى تحيطوا بالمدينة وبأبوابها ، فإن القوم إذا رأوا كثرتكم بالباب وكبرتم رعبوا منكم ، فانكسرت قلوبهم وانقطعت ظهورهم ، وذهبت قوتهم ، فـ { ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ } ، يقول : وبالله فلتتقوا ، { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [ آية : 23 ] بقتلهم بأيديكم ، وينفيهم من أرض هى ميراثهم . { قَالُواْ يَامُوسَىۤ } أتصدق رجلين وتكذب عشرة يا موسى ، { إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ } ينصرك عليهم ، { فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [ آية : 24 ] ، يعنى مكاننا ، فإننا لا نستطيع قتال الجبابرة ، فغضب موسى عليهم ، و { قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ } من الطاعة { إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي } هارون ، { فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا } ، يعنى فاقض بيننا { وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } [ آية : 25 ] ، يعنى العاصين الذين عصوا أن يقاتلوا عدوهم ، وهم كلهم مؤمنون . فأوحى الله عز وجل إلى موسى ، عليه السلام : أما إذا سميتهم فاسقين ، فالحق أقول : لا يدخولنها أبداً ، وذلك قوله عز وجل : { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } دخولها البتة أبداً ، { أَرْبَعِينَ سَنَةً } فيها تقديم ، { يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ } فى البرية ، فأعمى الله عز وجل عليهم السبيل ، فحبسهم بالنهار ، وسيرهم بالليل ، يسهرون ليلهم ، فيصبحون حيث أمسوا ، فإذا بلغ أجلهم ، وهو أربعون سنة ، أرسلت عليهم الموت ، فلا يدخلها إلا خلوفهم ، إلا يوشع بن نون ، وكالب بن يوقنا ، فهما يسوقان بنى إسرائيل إلى تلك الأرض ، فتاه القوم فى تسع فراسخ عرض وثلاثين فرسخاً طول ، وقالوا أيضاً : ستة فراسخ عرض فى اثنى عشر فرسخاً طول ، فقال القوم لموسى ، عليه السلام ، ما صنعت بنا ، دعوت علينا حتى بقينا فى التيه ؟ وندم موسى ، عليه السلام ، على ما دعا عليهم ، وشق عليه حين تاهوا ، فأوحى الله عز وجل إليه : { فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } [ آية : 26 ] ، يعنى لا تحزن على قوم أنت سميتهم فاسقين أن تاهوا . ثم مات هارون ، عليه السلام ، فى التيه ، ومات موسى من بعده بستة أشهر ، فماتا جميعاً فى التيه ، ثم إن الله عز وجل أخرج ذرياتهم بعد أربعين سنة وقد هلكت الأمة العصاة كلها ، وخرجوا مع يوشع بن نون ابن أخت موسى ، وكالب بن يوقنا بعد وفاة موسى ، عليه السلام ، بشهرين ، فأتوا أريحا ، فقاتلوا أهلها ففتحوها ، وقتلوا مقاتلهم ، وسبوا ذراريهم ، وقتلوا ثلاثة من الجبارين ، وكان قاتلهم يوشع بن نون ، فغابت الشمس ، فدعا يوشع بن نون ، فرد الله عز وجل عليه الشمس ، فأطلعت ثانية ، وغابت الشمس الثانية ، ودار الفلك فاختلط على الحساب حسابهم منذ يومئذ فيما بلغنا ، ومات فى التيه كل ابن عشرين سنة فصاعداً ، وموضع التيه بين فلسطين وإيلة ومصر ، فتاه القوم بعصيانهم ربهم عز وجل ، وخلافهم على نبيهم ، مع دعاء بلعام بن باعور بن ماث عليهم فيما بين ستة فراسخ إلى اثنى عشر فرسخاً ، لا يستطيعون الخروج منها أربعين سنة ، ومات هارون حين أتم ثمانية وثمانين سنة ، وتوفى موسى بعده بستة أشهر ، وساتخلف عليهم يوشع بن نون ، وحين ماتوا كلهم أخرج ذراريهم يوشع بن نون . وكالب بن يوقنا .