Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 27-32)
Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ آدَمَ } ، يقول : اتل يا محمد على أهل مكة نبأ ابنى آدم ، { بِٱلْحَقِّ } ليعرفوا نبوتك ، يقول : اتل عليهم حديث ابنى آدم هابيل وقابيل ، وذلك أن حواء ولدت فى بطن واحد غلاماً وجارية ، قابيل وإقليما ، ثم ولدت فى البطن الآخر غلاماً وجارية ، هابيل وليوذا ، وكانت أخت قابيل أحسن من أخت هابيل ، فلما أدركا ، قال آدم ، عليه السلام ، ليتزوج كل واحد منهما أخت الآخر ، قال قابيل : لكن يتزوج كل واحد منهما أخته التى ولدت معه ، قال آدم ، عليه السلام : قربا قرباناً ، فأيما تقبل قربانه كان أحق بهذه الجارية . وخرج آدم ، عليه السلام ، إلى مكة ، فعمد قابيل ، وكان صاحب زرع ، فقرب أخبث زرعه البر المأكول فيه الزوان ، وكان هابيل صاحب ماشية ، فعمد فقرب خير غنمه مع زبد ولبن ، ثم وضعا القربان على البجل ، وقاما يدعوان الله عز وجل ، فنزلت نار من السماء ، فأكلت قربان هابيل ، وتركت قربان قابيل ، فحسده قابيل ، فقال لهابيل : لأقتلنك ، قال هابيل : يا أخى ، لا تلطخ يدك بدم برئ ، فترتكب أمراً عظيماً ، إنما طلبت رضا والدى ورضاك ، فلا تفعل ، فإنك إن فعلت أخزاك الله بقتلك إياى بغير ذنب ولا جرم ، فتعيش فى الدنيا أيام حياتك فى شقوة ومخافة فى الأرض ، حتى تكون من الخوف والحزن أدق من شعر رأسك ، ويجعلك إلهى معلوناً . فلم يزل يحاوره حتى انتصف النهار ، وكان فى آخر مقالة هابيل لقابيل : إن أنت قتلتنى كنت أول من كتب عليه الشقاء ، وأول من يساق إلى النار من ذرية والدى ، وكنت أنا أول شهيد يدخل الجنة ، فغضب قابيل ، فقال : لا عشت فى الدنيا ، ويقال : قد تقبل قربانه ولم يتقبل قربانى ، فقال له هابيل : فتشقى آخر الأبد ، فغضب عند ذلك قابيل ، فقتله بحجر دق رأسه ، وذلك بأرض الهند عشية ، وآدم ، عليه السلام ، بمكة ، فذلك قوله عز وجل : { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } [ آية : 27 ] . { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [ آية : 28 ] ، { إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } [ آية : 29 ] ، { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ } ، يقول : فزينت له نفسه قتل أخيه ، { فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ آية : 30 ] . قال : وكان هابيل قال لأخيه قابيل : { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي … } إلى قوله : { بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ } ، يعنى أن ترجع بإثمى بقتلك إياى ، وإثمك الذى عملته قبل قتلى ، { فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } ، يعنى جزاء من قتل نفساً بغير جرم ، فلما قتله عشية من آخر النهار ، لم يدر ما يصنع ، وندم ولم يكن يومئذ على الأرض بناء ولا قبر ، فحمله على عاتقه ، فإذا أعيى وضعه بين يديه ، ثم ينظر إليه ويبكى ساعة ، ثم يحمله ، ففعل ذلك ثلاثة أيام . فلما كان فى الليلة الثالثة ، بعث الله غرابين يقتتلان ، فقتل أحدهما صاحبه وهو ينظر ، ثم حفر بمنقاره فى الأرض ، فلما فرغ منه ، أخذ بمنقاره رجل الغراب الميت ، حتى قذفه فى الحفيرة ، ثم سوى الحفيرة بالأرض ، وقابيل ينظر ، فذلك قوله تعالى : { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ } قابيل { يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ } ، يقول : أعجزت أن أعلم من العلم مثل ما علم هذا الغراب ، { فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي } ، يقول : فأغطى عورة أخى كما وارى الغراب صاحبه ، { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ } [ آية : 31 ] بقتله أخاه . فعمد عند ذلك قابيل ، فحفر فى الأرض بيده ، ثم قذف أخاه فى الحفيرة ، فسوى عليه تراب الحفيرة كما فعل الغراب بصاحبه ، فلما دفنه ألقى الله عز وجل عليه الخوف ، يعنى على قابيل ؛ لأنه أول من أخاف ، فانطلق هارباً ، فنودى من السماء : يا قابيل ، أين أخوك هابيل ؟ قال : أو رقيباً كنت عليه ؟ ليذهب حيث شاء ، قال المنادى : أما تدرى أين هو ؟ قال : لا ، قال المنادى : إن لسانك وقلبك ويديك ورجليك وجميع جسدك يشهدون عليك أنك قتلته ظلماً ، فلما أنكر شهدت عليه جوارحه ، فقال المنادى : أين تنجو من ربك ؟ إن إلهى يقول : إنك ملعون بكل أرض ، وخائف ممن يستقبلك ، ولا خير فيك ولا فى ذريتك . فانطلق جائعاً ، حتى أتى ساحل البحر ، فجعل يأخذ الطير ، فيضرب بها الجبل ، فيقتلها ويأكلها ، فمن أجل ذلك حرم الله الموقوذة ، وكانت الدواب ، والطير ، والسباع ، لا يخاف بعضها من بعض ، حتى قتل قابيل هابيل ، فلحقت الطير بالسماء ، والوحش بالبرية والجبال ، ولحقت السباع بالغياض ، وكانت قبل ذلك تستأنس إلى آدم ، عليه السلام ، وتأتيه ، وغضبت الأرض على الكفار من يومئذ ، فمن ثم يضغط الكافر فى الأرض حتى تختلف أضلاعه ، ويتسع على المؤمن قبره حتى ما يرى طرفاه ، وتزوج شيت بن آدم ليوذا التى ولدت مع هابيل ، وبعث الله عز وجل ملكاً إلى قابيل فعلق رجله ، وجعل عليه ثلاث سرادقات من نار ، كلما دار دارت السرادقات معه ، فمكث بذلك حيناً ، ثم حل عنه . { مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ } ، يعنى من أجل بنى آدم ، تعظيماً للدم ، { كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } فى التوراة { أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ } عمداً ، { أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ } ، أو عمل فيها بالشرك ، وجبت له النار ، ولا يعفى عنه حتى يقتل ، { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } ، أى كما يجزى النار لقتله الناس جميعاً لو قتلهم ، ثم قال سبحانه : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } ، وذلك أنه مكتوب فى التوراة أنه من قتل رجلاً خطأ ، فإن يقاد به ، إلا أن يشاء ولى المقتول أن يعفو عنه ، فإن عفا عنه ، وجبت له الجنة ، كما تجب له الجنة لو عفا عن الناس جميعاً ، فشدد الله عز وجل عليهم القتل ؛ ليحجز بذلك بعضهم عن بعض ، ثم قال سبحانه : { وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَاتِ } ، يعنى بالبيان فى أمره ونهيه ، { ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ } البيان { فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ } [ آية : 32 ] ، يعنى إسرافاً فى سفك الدماء واستحلال المعاصى .