Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 48-50)
Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله سبحانه : { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } يا محمد صلى الله عليه وسلم ، { بِٱلْحَقِّ } ، يعنى القرآن بالحق ، لم ننزله عبثاً ولا باطلاً لغير شىء ، { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } ، يقول : وشاهداً عليه ، وذلك أن قرآن محمد صلى الله عليه وسلم شاهد بأن الكتب التى أنزلت قبله أنها من الله عز وجل ، { فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } إليك فى القرآن ، { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } ، يعنى أهواء اليهود ، { عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ } ، وهو القرآن ، { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً } ، يعنى من المسلمين وأهل الكتاب ، { شِرْعَةً } ، يعنى سُنة ، { وَمِنْهَاجاً } ، يعنى طريقاً وسبيلاً ، فشريعة أهل التوراة فى قتل العمد القصاص ليس لهم عقل ولا دية ، والرجم على المحصن والمحصنة إذا زنيا . وشريعة الإنجيل فى القتل العمد العفو ، ليس لهم قصاص ولا دية ، وشريعتهم فى الزنا الجلد بلا رجم ، وشريعة أمة محمد صلى الله عليه وسلم فى قتل العمد القصاص والدية والعفو ، وشريعتهم فى الزنا إذا لم يحصن الجلد ، فإذا أحصن فالرجم ، { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ } يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأهل الكتاب ، { أُمَّةً وَاحِدَةً } على دين الإسلام وحدها ، { وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ } ، يعنى يبتليكم ، { فِي مَآ آتَاكُم } ، يعنى فيما أعطاكم من الكتاب والسُنة من يطع الله عز وجل فيما أمر ونهى ، ومن يعصه ، { فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ } ، يقول : سارعوا فى الأعمال الصالحة يا أمة محمد ، فيما ذكر من السبيل والسُنة ، { إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } فى الآخرة أنتم وأهل الكتاب ، { فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [ آية : 48 ] فى الدين . قوله سبحانه : { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } إليك فى الكتاب ، يعنى بين اليهود ، وذلك أن قوماً من رءوس اليهود من أهل النصير اختفلوا ، فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه ونرده عما هو عليه ، فإنما هو بشر إذن فيستمع ، فأتوه فقالوا له : هل لك أن تحكم لنا على أصحابنا أهل قريظة فى أمر الدماء كما كنا عليه من قبل ، فإن فعلت ، فإنا نبايعك ونطيعك ، وإنا إذا بايعناك تابعك أهل الكتاب كلهم ؛ لأنا سادتهم وأحبارهم ، فنحن نفتنهم ونزلهم عما هم عليه حتى يدخلوا فى دينك . فأنزل الله عز وجل يحذر نبيه صلى الله عليه وسلم ، فقال : { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } فى أمر الدماء ، { وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ } ، يعنى أن يصدوك ، { عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } من أمر الدماء بالسوية ، { فَإِن تَوَلَّوْاْ } ، يقول : فإن أبوا حكمك ، { فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم } ، يعنى أن يعذبهم فى الدنيا بالقتل والجلاء من المدينة إلى الشام ، { بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ } ، يعنى ببعض الدماء التى كانت بينهم من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ } ، يعنى رءوس اليهود ، { لَفَاسِقُونَ } [ آية : 49 ] ، يعنى لعاصون حين كرهوا حكم النبى صلى الله عليه وسلم فى أمر الدماء بالحق . فقال كعب بن الأشرف ، ومالك بن الضيف ، وكعب بن أسيد ، للنبى صلى الله عليه وسلم ، لا نرضى بحكمك ، فأنزل الله عز وجل : { أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } ، الذى كانوا عليه من الجور من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً } ، يقول : فلا أحد أحسن من الله حكماً ، { لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [ آية : 50 ] بالله عز وجل .