Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 94-96)

Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ } ، يعنى ببعض الصيد ، فخص صيد البر خاصة ، ولم يعم الصيد كله ؛ لأن للبحر صيداً ، { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ } ، يقول : تأخذون صغار الصيد بأيديكم أخذاً بغير سلاح ، ثم قال سبحانه : { وَرِمَاحُكُمْ } ، يعنى وسلاحكم النبل والرماح ، بها يصيبون كبار الصيد ، وهو عام حبس النبى صلى الله عليه وسلم عن مكة عام الحديبية ، وأقام بالتنعيم ، فصالحهم على أن يرجع عامه ذلك ، ولا يدخل مكة ، فإذا كان العام المقبل ، أخلوا له مكة فدخلها فى أصحابه ، رضى الله عنهم ، وأقام بها ثلاثاً ، ورضى النبى صلى الله عليه وسلم بذلك ، فنحر البدن مائة بدنة ، فجاءت السباع والطير تأكل منها ، فنهى الله عز وجل عن قتل الصيد فى الحرم ، { لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ } ، لكى يرى الله ، { مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ } ، يقول : من يخاف الله عز وجل ولم يره ، فلم يتناول الصيد ، وهو محرم ، { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ } ، يقول : فمن أخذ الصيد عمداً بعد النهى ، فقتل الصيد وهو محرم ، { فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ آية : 94 ] ، يعنى ضرباً وجيعاً ، ويسلب ثيابه ، ويغرم الجزاء ، وحكم ذلك إلى الإمام ، فهذا العذاب الأليم . قوله سبحانه : { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } ، وذلك أن أبا بشر ، واسمه : عمرو بن مالك الأنصارى ، كان محرماً فى عام الحديبية بعمرة ، فقتل حمار وحش ، فنزلت فيه : { لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً } لقتله ناسياً لإحرامه ، { فَجَزَآءٌ } ، يعنى جزاء الصيد ، { مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ } ، يعنى من الأزواج الثمانية إن كان قتل عمداً أو خطأ ، أو أشار إلى الصيد فأصيب ، فعليه الجزاء ، { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } ، يعنى يحكم بالكفارة رجلان من المسلمين عدلين فقيهين يحكمان فى قاتل الصيد جزاء مثل ما قتل من النعم ، إن قتل حمار وحش ، أو نعامة ، ففيها بعيراً بنحره بمكة ، يطعم المساكين ولا يأكل هو ولا أحد من أصحابه ، وإن كان من ذوات القرون الأيل والوعل ونحوهما ، فجزاؤه أن يذبح بقرة للمساكين ، وفى الطير ونحوها جزاؤه أن يذبح شاة مسنة ، وفى الحمام شاة ، وفى بيض الحمام إذا كان فيه فرخ درهم ، وإن لم يكن فيه فرخ ، فنصف درهم ، وفى ولد الحمار الوحش ولد بعير مثله ، وفى ولد النعامة ولد بعير مثله ، وفى ولد الأيل والوعل ونحو ولد بقرة مثله ، وفى فرخ الحمام ونحوه ولد شاة مثله ، وفى ولد الظبى ولد شاة مثله . { هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ } ، يعنى ينحر بمكة ، كقوله سبحانه فى الحج : { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } [ الحج : 33 ] ، تذبح بأرض الحرم ، فتطعم مساكين مكة ، { أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ } ، لكل مسكين نصف صاع حنطة ، { أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً } ، يقول : إن لم يقدر على الهدى ولا على ثمنه ، ولا على إطعام المساكين ، فليصم مكان كل مسكين يوماً ، ينظر ثمن الهدى فيجعله دراهم ، ثم ينظر كم يبلغ الطعام بتلك الدراهم بسعر مكة ، فيصوم مكان كل مسكين يوماً ، وبكل مسكين نصف صاع حنطة ، { لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ } ، يعنى جزاء ذنبه ، يعنى الكفارة عقوبة له بقتله الصيد ، { عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف } ، يقول : عفا الله عما كان منه قبل التحريم ، يقول : تجاوز الله عما صنع فى قتله الصيد متعمداً قبل نزول هذه الآية ، { وَمَنْ عَادَ } بعد النهى إلى قتل الصيد ، { فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } بالضرب والفدية وينزع ثيابه ، { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } ، يعنى منيع فى ملكه ، { ذُو ٱنْتِقَامٍ } [ آية : 95 ] من أهل معصيته فيمن قتل الصيد ، نزلت هذه الآية قبل الآية الأولى : { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . ثم قال عز وجل : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ } ، يعنى السمك الطرى ، وشىء يفرخ فى الماء لا يفرخ فى غيره ، فهو للمحرم حلال ، ثم قال : { وَطَعَامُهُ } ، يعنى مليح السمك ، { مَتَاعاً لَّكُمْ } ، يعنى منافع لكم ، يعنى للمقيم ، { وَلِلسَّيَّارَةِ } ، يعنى للمسافر ، { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } ، يعنى ما دمتم محرمين ، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ، ولا تستحلوا الصيد فى الإحرام ، ثم حذرهم قتل الصيد ، فقال سبحانه : { ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [ آية : 96 ] فى الآخرة ، فيجزيكم بأعمالكم .