Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 91-94)
Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } ، يعني ما عظموا الله حق عظمته ، { إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ } ، يقول : على رسول من كتاب ، فما عظموه حين كذبوا بأنه لم ينزل كتاباً على الرسل ، نزلت في مالك بن الضيف اليهودى حين خاصمه عمر بن الخطاب في النبي صلى الله عليه وسلم أنه مكتوب في التوراة ، فغضب مالك ، فقال : ما أنزل الله على أحد كتاباً ربانياً في اليهود ، فعزلته اليهود عن الربانية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً } ، يعني ضياء من الظلمة ، { وَهُدًى لِّلنَّاسِ } من الضلالة ، { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ } ، يعني صحفاً ليس فيها شىء ، { تُبْدُونَهَا } تعلنونها ، { وَتُخْفُونَ } ، يعني وتسرون ، { كَثِيراً } ، فكان مما أخفوا أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمر الرجم في التوراة ، { وَعُلِّمْتُمْ } في التوراة { مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ } ولم يعلمه { آبَاؤُكُمْ } ، ثم قال في التقديم : { قُلِ ٱللَّهُ } أنزل على موسى ، عليه السلام ، { ثُمَّ ذَرْهُمْ } ، يعني خل عنهم إن لم يصدقوك ، { فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } [ آية : 91 ] ، في باطلهم يلهون ، يعني اليهود ، نزلت هذه الآية بالمدينة ، ثم إن مالك بن الضيف تاب من قوله ، فلم يقبلوا منه ، وجعلوا مكانه رجلاً في الربانية . { وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ } على محمد صلى الله عليه وسلم ، { مُبَارَكٌ } لمن عمل به ، وهو { مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } ، يقول : يصدق لما قبله من الكتب التى أنزلها الله عز وجل على الأنبياء ، { وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } ، يعني لكى تنذر بالقرآن أصل القرى ، يعني مكة ، وإنما سميت أم القرى ؛ لأن الأرض كلها دحيت من تحت الكعبة ، { وَ } تنذر بالقرآن { وَمَنْ حَوْلَهَا } ، يعني حول مكة ، يعني قرى الأرض كلها ، { وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } ، يعني يصدقون بالبعث الذى فيه جزاء الأعمال ، { يُؤْمِنُونَ بِهِ } ، يعني يصدقون بالقرآن أنه جاء من الله عز وجل ، ثم نعتهم ، فقال : { وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [ آية : 92 ] عليها في مواقيتها لا يتركونها . { وَمَنْ أَظْلَمُ } ، هذه الآية مدنية ، فلا أحد أظلم ، { مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ } ، نزلت في مسيلمة بن حبيب الكذاب الحنفى ، حيث زعم أن الله أوحى إليه النبوة ، " وكان مسيلمة أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسولين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما : " أتشهدان أن مسيلمة نبى ؟ " ، قال : نعم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما " ، ثم قال : { وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ } ، فلا أحد أيضاً أظلم منه ، نزلت في عبدالله بن سعد بن أبي سرح القرشى ، من بنى عامر بن لؤى ، وكان أخا عثمان بن عفان من الرضاعة ، كان يتكلم بالإسلام ، وكتب للنبى صلى الله عليه وسلم يوماً سورة النساء ، فإذا أملى عليه النبي صلى الله عليه وسلم : { غَفُوراً رَّحِيماً } ، كتب : { عَلِيما حَكِيماً } ، وإذا أملى عليه : { سَمِيعاً بَصِيراً } كتب : { سَمِيعاً عَلِيماً } ، فقال لقوم من المنافقين : كتبت غير الذي أملى عليَّ ، وهو ينظر إليه فلم يغيره ، فشك عبدالله بن سعد في إيمانه ، فلحق بمكة كافراً ، فقال لهم : لئن كان محمد صادقاً فيما يقول : لقد أنزل عليَّ كما أنزل عليه ، ولئن كان كاذباً ، لقد قلت كما قال ، وإنما شك لسكوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينظر إليه ، فلم يغير ذلك ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يكتب . ثم قال : { وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ } ، يعني مشركي مكة ، { فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ } ، يعني في سكرات الموت ، إذ قتلوا ببدر ، { وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ } عند الموت تضرب الوجوه والأدبار ، يعني ملك الموت وحده ، وهو يقول : { أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ } ، يعني أرواحكم ، منهم : أبو جهل ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة ، والوليد بن عتبة ، وأمية بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث ، وأبو قيس بن الفاكه ، والوليد بن المغيرة ، وقريباً من سبعين قتيلاً ، فلما بعثوا في الآخرة ، وصاروا في النار ، قالت لهم خزنة جهنم : { ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ } ، يعني الهوان بغير رأفة ولا رحمة ، نظيرها في الأنفال ، { بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ } في الدنيا ، { غَيْرَ ٱلْحَقِّ } بأن معه شريكاً ، { وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } [ آية : 93 ] ، يعني وكنتم تتكبرون عن الإيمان بالقرآن . { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا } في الآخرة ، { فُرَادَىٰ } ، ليس معكم من الدنيا شىء ، { كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } حين ولدوا وليس لهم شيء ، { وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ } في الدنيا { وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } ، يعني ما أعطيناكم من الخير من بعدكم في الدنيا ، { وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ } من الملائكة ، { ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ } في الدنيا ، { أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ } ، يعني أنهم لكم شفعاء عند الله ، لقولهم في يونس : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] ، يعني الملائكة ، ثم قال : { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } وبين شركاءكم ، يعني من الملائكة من المودة والتواصل ، { وَضَلَّ عَنكُم } في الآخرة { مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [ آية : 94 ] في الدنيا بأن مع الله شريكاً .