Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 167-174)
Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ } ، يعني قال ربك : { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ } ، يعني بنى إسرائيل من يسومهم سوء العذاب ، فبعث الله المسلمين عليهم ، { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } ما دامت الدنيا ، { مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } ، يعني يعذبهم شدة العذاب ، يعني القتل ، والجزية ، { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ آية : 167 ] . { وَقَطَّعْنَاهُمْ } ، يعني وفرقناهم { فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً } ، يعني فرقاً ، يعني بنى إسرائيل ، { مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ } ، يعني المؤمنين ، { وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ } ، يعني دون الصالحين ، فهم الكفار ، { وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ } ، يقول : ابتليناهم بالخصب والشدة ، { لَعَلَّهُمْ } ، يعني لكى { يَرْجِعُونَ } [ آية : 168 ] إلى التوبة . { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ } ، يعني من بعد بنى إسرائيل ، { خَلْفٌ } السوء وهم اليهود ، { وَرِثُواْ ٱلْكِتَابَ } ، يعني ورثوا التوراة عن أوائلهم وآبائهم ، { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } ، وهي الدنيا ؛ لأنها أدنى من الآخرة ، يعني الرشوة في الحكم ، { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } ، فكانوا يرشون بالنهار ، ويقولون : يغفر لنا بالليل ، { وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ } ، يعني رشوة مثله ليلاً ، { يَأْخُذُوهُ } ، ويقولون : يغفر لنا بالنهار ، يقول الله : { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَاقُ ٱلْكِتَابِ } ، يعني بغير ما يقولون : لقد أخذ عليهم في التوراة أن لا يستحلوا محرماً ، و { أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } في التوراة ، { وَدَرَسُواْ } ، يعني وقرأوا { مَا فِيهِ } ، ما في التوراة ، { وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } ، يعني الجنة ، { خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } ، استحلال المحارم ، { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ آية : 169 ] . ثم ذكر مؤمنيهم ، فقال : { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ } ، يعني يتمسكون بالتوراة ولا يحرفونه عن مواضعه ، ولا يستحلون محرماً ، { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ } [ آية : 170 ] ، نزلت في ابن شلام وأصحابه . { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ } ، يعني وإذ رفعنا الجبل { فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ } ، وذلك أن موسى ، عليه السلام ، حين أتاهم بالتوراة ، وجدوا فيها القتل ، والرجم ، والحدود ، والتغليظ ، أبوا أن يقبلوا التوراة ، فأمر الله الجبل عند بيت المقدس ، فانقطع من مكانه ، فقام فوق رءوسهم ، فأوحى الله إلى موسى أن قل لهم : إن لم يقروا بالتوراة ، طرحت عليهم الجبل ، وأرضخ به رءوسهم ، فلما رأوا ذلك أقروا بالتوراة ، ورجع الجبل إلى مكانه ، فذلك قوله : { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ } ، يعني وأيقنوا أن الجبل واقع بهم ، يعني عليهم ، { خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ } ، ما أعطيناكم من التوراة بالجد والمواظبة ، { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ } ، يقول : واحفظوا ما فيه من أمره ونهيه ، { لَعَلَّكُمْ } ، يعني لكى { تَتَّقُونَ } [ آية : 171 ] المعاصي . { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ } ، يقول : وقد أخذ ربك من بنى آدم بنعمان عند عرفات من ظهورهم ، { ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } بإقرارهم ، { أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } أنت ربنا ، وذلك أن الله عز وجل مسح صفحة ظهر آدم اليمنى ، فأخرج منه ذرية بيضاء كهيئة الذر يتحركون ، ثم مسح صفحة ظهره اليسرى ، فأخرج منه ذرية سوداء كهيئة الذر ، وهم ألف أمة ، قال : يا آدم ، هؤلاء ذريتك أخذنا ميثاقهم على أن يعبدوني ولا يشركوا بي شيئاً وعلىَّ رزقهم ، قال آدم : نعم يا رب ، فلما أخرجهم ، قال الله : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى { شَهِدْنَآ } أنك ربنا ، قال الله للملائكة : اشهدوا عليهم بالإقرار ، قالت الملائكة : قد شهدنا ، يقول الله في الدنيا لكفار العرب من هذه الأمة : { أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا } الميثاق الذي أخذ علينا { غَافِلِينَ } [ آية : 172 ] ، وأشهدهم على أنفسهم . { أَوْ تَقُولُوۤاْ } لئلا تقولوا : { إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا } ونقضوا الميثاق ، { مِن قَبْلُ } شركنا ، ولئلا تقولوا : { وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ } ، فاقتدينا بهم وبهداهم ، لئلا تقولوا : { أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [ آية : 173 ] ، يعني أفتعذبنا بما فعل المبطلون ، يعني المكذبين بالتوحيد ، يعنون آباءهم ، كقوله : { إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [ الزخرف : 23 ] . ثم أفاضهم إفاضة القدح ، فقال للبيض : هؤلاء في الجنة برحمتي ، فهم أصحاب اليمين ، وأصحاب الميمنة ، وقال للسود : هؤلاء للنار ، ولا أبالي ، فهم أصحاب الشمال ، وأصحاب المشأمة ، ثم أعادهم جميعاً في صلب آدم ، عليه السلام ، فأهل القبور محبسون حتى يخرج الله أهل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال وأرحام النساء ، ثم تقوم الساعة ، فذلك قوله : { لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ } يوم القيامة { وَعَدَّهُمْ عَدّاً } [ مريم : 94 ] ، فمن مات منهم صغيراً ، فله الجنة بمعرفته بربه ، ومن بلغ منهم العقل أخذ أيضاً ميثاقه بمعرفته لربه ، والطاعة له ، فمن لم يؤمن إذا بلغ العقل لم يغن عنه الميثاق الأول شيئاً ، وكان العهد والميثاق الأول حجة عليهم ، وقال فيمن نقض العهد الأول : { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ } يعنى من وفاء ، يعني أكثر ولد آدم ، عليه السلام ، { وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ } [ الأعراف : 102 ] ، يعني لعاصين ، { وَكَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } ، يعني هكذا نبين الآيات في أمر الميثاق ، { وَلَعَلَّهُمْ } ، يعني لكى { يَرْجِعُونَ } [ آية : 174 ] إلى التوبة .