Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 74, Ayat: 8-17)

Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ } [ آية : 8 ] يعني نفخ في الصور ، والناقور القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل ، وهو الصور { فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ } [ آية : 9 ] يعني مشقته وشدته ، ثم أخبر على من عسره ، فقال : { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } [ آية : 10 ] غير هين ، ويهون ذلك على المؤمن كأدنى صلاته { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } [ آية : 11 ] يعني الوليد بن المغيرة المخزومي ، كان يسمى الوحيد في قومه ، وذلك أن الله عز وجل أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم { حـمۤ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [ غافر : 1 - 3 ] . فلما نزلت هذه الآية قام النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام فقرأها والوليد بن المغيرة قريباً منه يستمع إلى قراءته ، فلما فطن صلى الله عليه وسلم أن الوليد بن المغيرة يستمع إلى قراءته أعاد النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية : { حـمۤ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ } في ملكه { ٱلْعَلِيمِ } بخلقه { غَافِرِ ٱلذَّنبِ } لمن تاب من الشرك ، { وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } لمن تاب من الشرك ، { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } لمن لم يتب من الشرك { ذِي ٱلطَّوْلِ } يعني ذي الغنى عمن لم يوحد ، ثم وحد الرب نفسه حين لم يوحدوه كفار مكة ، فقال : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } يعني مصير الخلائق في الآخرة إليه ، فلما سمعها الوليد انطلق حتى أتى مجلس بني مخزوم ، فقال : والله ، لقد سمعت من محمد كلاماً آنفاً ما هو من كلام الإنس ، ولا من كلام الجن ، وأن أسفله لمعرق ، وأن أعلاه لموفق ، وأن له لحلاوة ، وأن عليه لطلاوة ، وأنه ليعلو وما يعلى . ثم انصرف إلى منزله ، فقالت قريش : لقد صبأ الوليد ، والله لئن صبأ لتصبون قريش كلها ، وكان يقال للوليد : ريحانة قريش ، فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه ، فانطلق أبو جهل حتى دخل على الوليد ، فقعد إليه كشبه الحزين ، فقال له الوليد : ما لى أراك يا ابن أخى حزيناً ؟ فقال أبو جهل : ما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة ليعينوك على كبرك ، ويزعمون أنك إنما زينت قول محمد لتصيب من فضل طعامه ، فغضب الوليد عند ذلك ، وقال : أو ليس قد علمت قريش أنى من أكثرهم مالاً وولداً ، وهل يشبع محمد وأصحابه من الطعام ، فيكون لهم فضل ؟ فقال أبو جهل : فإنهم يزعمون أنك إنما زينت قول محمد من أجل ذلك . فقام الوليد فانطلق مع أبى جهل ، حتى أتى مجلس قومه بنى مخزوم ، فقال : تزعمون أن محمداً كاهن ، فهل سمعتموه يخبر بما يكون في غد ؟ قالوا : اللهم لا ، قال : وتزعمون أن محمداً شاعر ، فهل رأيتموه ينطق فيكم بشعر قط ؟ قالوا : اللهم لا ، قال : وتزعمون أن محمداً كذاب ، فهل رأيتموه يكذب فيكم قط ؟ قالوا : اللهم لا ، وكان يسمى محمد صلى الله عليه وسلم قبل النبوة الأمين ، فبرأه من هذه المغالة كلها . فقالت قريش : وما هو أبا المغيرة ؟ فتفكر في نفسه ما يقول عن محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم نظر فيما يقول عنه ، ثم عبس وجهه ، وبسر يعني وكلح ، فذلك قوله عز وجل : { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } ، وما يقول لمحمد ، فقدر له السحر ، يقول الله تبارك وتعالى : { فَقُتِلَ } يعني لعن { كَيْفَ قَدَّرَ } لمحمد صلى الله عليه وسلم السحر ، ثم نظر ، ثم عبس ، يقول : كلح وبسر ، يعني وتغير لونه يعني أعرض عن الإيمان { وَٱسْتَكْبَرَ } عنه { فَقَالَ } الوليد لقومه : { إِنْ هَـٰذَآ } الذي يقول محمد { إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } فقال له قومه وما السحر يا أبا المغيرة ؟ وفرحوا ، فقال : شىء يكون ببابل إذا تعلمه الإنسان يفرق بين الإثنين ومحمد يأثره ، ولما يحذفه بعد وأيم الله ، لقد أصاب فيه حاجته أما رأيتموه فرق بين فلان وبين أهله ، وبين فلان وبين أبيه ، وبين فلان وبين أخيه ، وبين فلان وبين مولاه ، فهذا الذي يقول محمد سحر يؤثر عن مسيلمة بن حبيب الحنفي الكذاب يقول : يرويه عنه ، فذلك قوله : { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } يقول : إن هذا الذي يقول محمد إلا قول بشر . قال الوليد بن المغيرة : عن يسار أبى فكيهة هو الذي يأتيه به من مسيلمة الكذاب ، فجعل الله له سقر ، وهو الباب الخامس من جهنم ، فلما قال ذلك الوليد شق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يشق عليه ، فيما قذف بغيره من الكذب ، فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم يعزيه ليصبر على تكذيبهم ، فقال : يا محمد { كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [ الذاريات : 52 ] ، وأنزل في الوليد بن المغيرة : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } يقول : خل بينى يا محمد وبين من خلقت وحيداً ، يقول : حين لم يكن له مال ولا بنون ، يعني خل بينى وبينه ، فأنا أتفرد بهلاكه ، وأما الوليد ، يعني خلقته ليس له شىء ، يقول عز وجل فأعطيته المال والولد . فذلك قوله : { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } [ آية : 12 ] يعني بالمال بستانه الذي له بالطائف ، والممدود الذي لا ينقطع خيره شتاء ولا صيفاً ، كقوله : { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } يعني لا ينقطع { وَبَنِينَ شُهُوداً } [ آية : 13 ] يعني حضوراً لا يغيبون أبداً عنه في تجارة ولا غيرها لكثرة أموالهم بمكة ، وكلهم رجال منهم الوليد بن الوليد ، وخالد بن الوليد ، وهو سيف الله أسلم بعد ذلك ، وعمارة بن الوليد ، وهشام بن الوليد ، والعاص بن الوليد ، وقيس بن الوليد ، وعبد شمس بن الوليد . ثم قال : { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } [ آية : 14 ] يقول : بسطت له في المال والولد والخير بسطاً { ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ } [ آية : 15 ] لا أزيده بل أقطع ذلك عنه وأهلكه ، ثم منعه الله المال ، فلم يعطه شيئاً حتى افتقر وسأل الناس ، فأهلكه الله تعالى ، ومات فقيراً في المستهزئين ، ثم نعت عمله الخبيث ، فقال : { كَلاَّ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً } [ آية : 16 ] يعني كان عن آيات القرآن معرضاً مجانباً له لا يؤمن بالقرآن . ثم أخبر الله تعالى ما يصنع به في الآخرة ، فقال : { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } [ آية : 17 ] يعني سأكلفه أن يصعد على صخرة من النار ملساء في الباب الخامس ، واسم ذلك الباب سقر ، في تلك الصخرة كوى تخرج منها ريح ، وهي ريح حارة ، وهي تناثر لحمه يقول الله جل وعز : { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } يقول : سأغشى وجهه تلك الصخرة ، وهي جبل من نار طوله مسيرة سبعين سنة ، ويصعد به فيها على وجهه ، فإذا بلغ الكافر أعلاها انحط إلى أسفلها ، ثم يكلف أيضاً صعودها ، ويخرج إليه من كوى تلك الصخرة ريح باردة من فوقها ومن تحتها تقطع تلك الريح لحمه ، وجلدة وجهه ، فكلما أصعد أصابته تلك الريح وإذا انحط ، حتى ينتثر اللحم من العظم ، ثم يشرب من عين آنية ، التي قد انتهى حرها ، فهذا دأبه أبداً .