Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 45-49)

Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } ، يعنى صدقوا بتوحيد الله عز وجل ، { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَة } ، يعني كفار مكة ببدر ، { فَٱثْبُتُواْ } لهم ، { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ } ، يعني لكي { تُفْلِحُونَ } [ آية : 45 ] . { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } فيما أمركم به فى أمر القتال ، { وَلاَ تَنَازَعُواْ } ، يقول : ولا تختلفوا عند القتال ، { فَتَفْشَلُواْ } ، يعني فتجبنوا ، { وَتَذْهَبُ رِيحُكُمْ } ، يعني الصبا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم : " قال : " نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور " ، { وَٱصْبِرُوۤاْ } لقتال عدوكم ، { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } [ آية : 46 ] ، يعني فى النصر للمؤمنين على الكافرين بذنوبهم وبعملهم . ثم وعظ المؤمنين ، فقال : { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ } ، ليذكروا بمسيرهم ، يعني ابن أمية ، وابن المغيرة المخزومي ، وذلك أنهم كانوا رءوس المشركين في غزوهم بدر ، فقال أبو جهل حين نجت العير وسارت إلى مكة ، فأشاروا عليه بالرجعة ، قال : لا نرجع حتى ننزل على بدر فننحر الجزر ، ونشرب الخمر ، وتعزف علينا القيان ، فتسمع العرب بمسيرنا ، فذلك قوله : { بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ } ليذكروا بمسيرهم { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّه } ، يقول : ويمنعون أهل مكة عن دين الإسلام ، { وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط } [ آية : 47 ] أحاط علمه بأعمالهم . { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ } ، وذلك أنه بلغهم أن العير قد نجت ، فأرادوا الرجوع إلى مكة ، فأتاهم إبليس فى صورة سراقة بن مالك بن جشعم الكنانى ، من بنى مدلج بن الحراث ، فقال : لا ترجعوا حتى تستأصلوهم ، فإنكم كثير وعدوكم قليل ، فتأمن عيركم ، ويسير ضعيفكم ، { وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } على بني كنانة ، أنكم لا تمرون بحي منهم إلا أمدكم بالخيل والسلاح والرجال ، فأطاعوه ومضوا إلى بدر لما أراد الله من هلاكهم ، فلما التقوا نزلت ملائكة ببدر مدداً للمؤمنين ، عليهم جبريل ، عليه السلام ، ولما رأى إبليس ذلك ، نكص على عقبيه ، يقول : استأخر وراءه . فذلك قوله : { فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ } فئة المشركين ، { نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } ، يقول : استأخر وراءه ، وعلم أنه لا طاقة له بالملائكة ، فأخذ الحارث بن هشام بيده ، فقال : يا سراقة ، على هذا الحال تخذلنا ؟ { وَقَالَ } إبليس : { إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ } ، فقال الحارث : والله ما نرى إلا خفافيش يثرب ، فقال إبليس : { إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [ آية : 48 ] ، وكذب عدو الله ما كان به الخوف ، ولكن خذلهم عند الشدة ، فقال الحارث لإبليس وهو في صورة سراقة : فهلا كان هذا أمس ، فدفع إبليس فى صدر الحارث ، فوقع الحارث ، وذهب إبليس هارباً ، فلما انهزم المشركون ، قالوا : انهزم بالناس سراقة ، وهو بعض الصف ، فلما بلغ سراقة سار إلى مكة ، فقال : بلغني أنكم تزعمون بأني انهزمت بالناس ، فوالذي يحلف به ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم ، قالوا له ، ما أتيتنا يوم كذا وكذا ، فحلف بالله لهم أنه لم يفعل ، فلما أسلموا علموا أنما ذلك الشيطان . { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } ، يعني الكفر ، نزلت في قيس بن الفاكه ، ولم يتجمع جمع قط منذ يوم كانت الهزيمة أكثر من يوم بدر ، وذلك أن إبليس جاء بنفسه ، وجاء كل شيطان موكل بالدنيا ، إلا شيطان موكل بآدمي ، وكفار الجن كلهم ، وسبعمائة من المشركين عليهم أبو جهل بن هشام ، وكان قبل ذلك في ألف رجل ، فرد منهم أبي بن شريق ثلاثمائة من بنى زهرة ، وذلك أن أبي بن شريق خلا بأبى جهل ، فقال : يا أبا الحكم ، أكذاب محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : والله ما يكذب محمد صلى الله عليه وسلم على الناس ، فكيف يكذب على الله ، وكان يسمى قبل النبوة الأمين ؛ لأنه لم يكذب قط . فقال أبو جهل : ولكن إذا كانت السقاية فى بني عبد مناف ، والحجابة والمشورة والولاية ، حتى النبوة أيضاً ، فلما سمع أبي بن شريق قول أبي جهل : إن محمداً لم يكذب ، رد أصحابه عن قتال محمد ، عليه السلام ، فخنس ، فسمى الأخنس بن شريق ؛ لأنه خنس بثلاثمائة رجل من بني زهرة يوم بدر عن قتال محمد ، عليه السلام ، وبقي سبعمائة عليهم أبو جهل بن هشام ، والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ فى ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، وسبعين من مؤمني الجن ، وألف من الملائكة عليه جبريل ، عليه السلام ، فكان جبريل على خمسمائة على ميمنة الناس ، وميكائيل على خمسمائة فى ميسرة الناس ، ولم تقاتل الملائكة قتالاً قط إلا يوم بدر وكانوا يومئذ على صور الرجال ، وعلى قوة الرجال على خيول بلق ، وكان جبريل ، عليه السلام ، يسير أمام صف المسلمين ، ويقول : أبشروا ، فإن النصر لكم ، وما يرى المسلمون إلا أنه رجل منهم . { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } ، يعني الكفر ، نزلت فى قيس بن الفاكه بن المغيرة ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، وقيس بن الوليد بن المغيرة ، والوليد بن عتبة بن ربيعة ، والعلاء بن أمية بن خلف الجمحي ، وعمرو بن أمية بن سفيان بن أمية ، كان هؤلاء المسلمون بمكة ، ثم أقاموا بمكة مع المشركين ، فلم يهاجروا إلى المدينة ، فلما خرج كفار مكة إلى قتال بدر ، خرج هؤلاء النفر معهم ، فلما عاينوا قلة المؤمنين شكوا في دينهم وارتابوا ، فقالوا : { غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ } ، يعنون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، يقول الله عز وجل : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } ، يعني المؤمنين ، يعني يثق به فى النصر ، { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } ، يعني منيع فى ملكه ، { حَكِيمٌ } [ آية : 49 ] فى أمره حكم النصر .