Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 75-85)
Tafsir: Tafsīr Muqātil ibn Sulaymān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمِنْهُمْ } ، يعني من المنافقين ، { مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } ولنصلن رحمي ، { وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ آية : 75 ] ، يعني من المؤمنين بتوحيد الله ؛ لأن المنافقين لا يخلصون بتوحيد الله عز وجل ، فأتاه الله برزقه ، وذلك أن مولى لعمر بن الخطاب قتل رجلاً من المنافقين خطأ ، وكان حميماً لحاطب ، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم دينه إلى ثعلبة بن حاطب ، فبخل ومنع حق الله ، وكان المقتول قرابة بن ثعلبة بن حاطب . يقول الله : { فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ } ، يعني أعطاهم من فضله ، { بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } [ آية : 76 ] . { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ } ، يعني إلى القيامة { بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } [ آية : 77 ] ، لقوله : لئن آتانا الله ، يعني أعطاني الله ، لأصدقن ولأفعلن ، ثم لم يفعل ، . ثم ذكر أصحاب العقبة ، فقال : { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ } ، يعني الذي أجمعوا عليه من قتل النبي صلى الله عليه وسلم : { وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } [ آية : 78 ] . ثم نعت المنافقين ، فقال : { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ } ، وذلك " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالصدقة وهو يريد غزاة تبوك ، وهى غزاة العسرة ، فجاء عبد الرحمن بن عوف الزهري بأربعة آلاف درهم ، كل درهم مثقال ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أكثرت يا عبد الرحمن بن عوف ، هل تركت لأهلك شيئاً ؟ ، قال : يا رسول الله ، مالى ثمانية آلاف ، أما أربعة آلاف فأقرضتها ربي ، وأما أربعة آلاف الأخرى ، فأمسكتها لنفسي ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت " ، فبارك الله في مال عبد الرحمن ، حتى أنه يوم مات بلغ ثمن ماله لامرأتيه ثمانين ومائة ألف ، لكل امرأة تسعون ألفاً . وجاء عاصم بن عدي الأنصاري ، من بني عمرو بن عوف بسبعين وسقاً من تمر ، وهو حمل بعير ، فنثره في الصدقة ، واعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قلته ، وجاء أبو عقيل بن قيس الأنصارى ، من بنى عمرو ، بصاع فنثره في الصدقة ، فقال : يا نبي الله ، بت ليلتى أعمل في النخل أجر بالجرين على صاعين ، فصاع أقرته ربي ، وصاع تركته لأهلي ، فأحببت أن يكون لي نصيب في الصدقة ، ونفر من المنافقين جلوس ، فمن جاء بشيء كثير ، قالوا : مراء ، ومن جاء بقليل ، قالوا : كان هذا أفقر إلى ماله ، وقالوا لعبد الرحمن وعاصم : ما أنفقتم إلا رياء وسمعة ، وقالوا لأبي عقيل : لقد كان الله ورسوله غنيين عن صاع أبي عقيل . فسخروا وضحكوا منهم ، فأنزل الله عز وجل : { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ } ، يعني يطعنون ، يعني معتب بن قيس ، وحكيم بن زيد : { ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ } ، يعني عبد الرحمن بن عوف ، وعاصم ، { وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُم } ، يعني أبا عقيل : { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ } ، يعني من المؤمنين ، { سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ } ، يعني سخر الله من المنافقين في الآخرة ، { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ آية : 79 ] ، يعني وجيع ، نظيرها : { إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ } [ هود : 38 ] ، يعني سخر الله من المنافقين . { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ } ، يعني المنافقين ، { أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [ آية : 80 ] ، فقال عمر بن الخطاب : لا تستغفر لهم بعد ما نهاك الله عنه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا عمر ، أفلا أستغفر لهم إحدى وسبعين مرة " فأنزل الله عز وجل : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } [ المنافقون : 6 ] من شدة غضبه عليهم ، فصارت الآية التي في براءة منسوخة ، نسختها التى في المنافقين : { أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } . { فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ } عن غزاة تبوك ، { خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ } وهم بضع وثمانون رجلاً ، منهم من اعتل بالعسرة ، وبغير ذلك ، { وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ } بعضهم لبعض : { لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ } مع محمد صلى الله عليه وسلم إلى غزاة تبوك في سبعة نفر ، أبو لبابة وأصحابه ، قالوا بأن الحر شديد والسفر بعيد ، { قُلْ } يا محمد : { نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } [ آية : 81 ] في قراءة ابن مسعود : لو كانوا يعلمون . { فَلْيَضْحَكُواْ } في الدنيا { قَلِيلاً } ، يعني بالقليل الاستهزاء ، فإن ضحكهم ينقطع ، { وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً } في الآخرة في النار ندامة ، والكثير الذي لا ينقطع ، { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ آية : 82 ] . { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ } من غزاة تبوك إلى المدينة ، { إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً } في غزاة ، { وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } ، يعني من تخلف من المنافقين ، وهي طائفة ، وليس كل من تخلف عن غزاة تبوك منافق ، { فَٱقْعُدُواْ } عن الغزو { مَعَ ٱلْخَالِفِينَ } [ آية : 83 ] ، منهم : عبد الله بن أبى ، وجد بن قيس ، ومعتب بن قشير . وذلك أن عبد الله بن أبى رأس المنافقين توفي ، فجاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أنشدك بالله أن لا تشمت بي الأعداء ، فطلب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على أبيه ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل ، فنزلت فيه : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم } ، يعني من المنافقين ، { مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ } ، يعني بتوحيد الله ، { وَ } كفروا بـ { رَسُولِهِ } بأنه ليس برسول ، { وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } [ آية : 84 ] ، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصل عليه ، وأمر أصحابه فصلوا عليه . { وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ } ، يقول : وتذهب { أَنفُسُهُمْ } كفاراً ، يعني يموتون على الكفر ، فذلك قوله : { وَهُمْ كَافِرُونَ } [ آية : 85 ] .