Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 110-115)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
شك منه مريب : قوي دائم . طرفي النهار : الغدوة العشيّة ، يعني صلاة الصبح والظهر والعصر . وزلفاً من الليل : الساعات الاولى منه ، صلاة المغرب والعشاء . { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } . بعد ان ذكّر مشركي مكة بالماضين من أمثالهم ، وما جرى لهم في الدنيا وما سينالهم في الآخرة - ذكّرهم هنا في هاتين الآيتين بقوم موسى ، واختلافهم في الكتاب . فمنهم من آمن ومنهم من كفر ، فلا عجب أن آمن بك قومٌ ايها الرسول وكفر بك آخرون . ولقد آتينا موسى التوراةَ فاختلف بنو اسرائيل فيها ، ولولا كلمةٌ سبقت من ربك بتأخير عذابهم الى يوم القيامة لفصل بينَهم بإهلاك المبطِلين ونجاة المحقّين . ان كفار قومك يشكّون في صدق القرآن ، وكذلك هؤلاء الذين ورثوا التوراة واقعون في حيرة وبعدٍ عن الحقيقة . { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } . ان ربّك سيوفي كل فريق من هؤلاء : المصدّقين والمكذبين ، جزاء اعمالهم ، وهو خبير بهم يحيط علمه بكل ما يعملون . قراءات : قرأ ابن كثير ونافع وابو بكر " وان كلا " باسكان النون . وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة " لما " بالتشديد والباقون " لما " بالتخفيف . وبعد ان بيّن الله أمر المختلفين في التوحيد والنبوّة ، وذكَرَ وعْدَهم ووعيدَهم - أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين بالاستقامة ، وهي كلمة جامعة لكل ما يتعلق بالعلم والعمل والاخلاق الفاضلة ، فقال . { فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } . ما دام هذا حالُ الأمم التي جاءها كتاب من الله فاختلفت فيه وخرجت عليه ، فاستِقم انت يا محمد ومن معك من المؤمنين ولا تتجاوزوا حدودَ الاعتدال ، انه سبحانه محيط علمه بكل ما تعملون . { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } . لا تميلوا ادنى ميلٍ ولا تطمئنوا الى اعداء الله وأَعدائكم الذين ظلموا أنفسَهم بالكفر والشرك … فتستَحِقّوا عذابَ النار مثلهم . انه لا ناصر لكم غير الله ، ولا تنصَرون الا بالاستقامة والايمان . وكذلك لاتسكُتوا عن المنكر إذا رأيتموه … فإن الامام أحمد وأصحاب السُنن رووا عن ابي بكر رضي الله عنه انه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ان الناس اذا رأوا المنكَر بينهم فلم يُنكِروه ، يوشكُ أن يعمَّهم الله بعقابه " وهذا ما هو حاصل فينا اليوم . { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } . بعد ان امر الله رسولَه بالاستقامة وعدم تجاوُزِ ما رسمه الدين ، وعدم الركون الى الظالمين ، أمره هنا بأفضلِ العبادات وأجلّ الفضائل ، فقال : يا محمد ، أقمِ الصلاة كاملة على أحسن وجه ، وداومْ عليها في طرفَي النهار ( وهما أوله وآخره ) ، وفي اوقات متفرقة منه . وهذه تشمل أوقاتَ الصلاة المفروضة دوت تحديد عددها ، لكن السُّنة وعمل الرسول الكريم حددت ذلك . وقد خصّ الله تعالى الصلاة بالذكر لانها أساس العبادات . { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } . ان الأعمال الحسنة تمحو السيئاتِ التي قلّما يخلو منها البشر ، والمراد بالسيئات الذنوب الصغيرة ، لان الكبائر لا يكفّرها الا التوبة . كما قال تعالى { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } [ النساء : 31 ] . وفي الحديث الصحيح : " الصلوات الخمسُ كفّارة لما بينَها ما اجتُنبت الكبائر " رواه مسلم وفي صحيح البخاري ايضا : " أرأيتُم لو ان نهراً بباب أحدِكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ، هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا : لا قال : فذلك مثلُ الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا " . { ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } . ان في الوصايا السابقة من الاستقامة ، والنهي عن الركون الى الذين ظلموا ، واقامة الصلاة في تلك الأوقات عبرةً للمتعظين المستعدين لقبولها ، الذين يذكرون ربهم على الدوام . والاستقامة في حاجة الى الصبر ، ولذلك عقب الله على ذلك بقوله : { وَٱصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } . اصبر ايها النبي على مشاقّ ما أمرناك به ، فالاستقامة احسان ، واقامة الصلاة في اوقاتها احسان ، والصبر على المكاره احسان ، والله لا يضيع أجر المحسنين .