Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 10-19)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تسيمون : ترعون الماشية ، تجعلونها ترعى النبات . ذرأ : خلق . سخر البحر : ذللـه وجعله في خدمتكم . مواخر : جمع ماخرة : جارية فيه ، مخر الماء شقة . الرواسي : الجبال . ان تميد بكم : ان تميل وتضطرب . وسبلا : طرقا . وعلامات : اشارات ، ومعالم يستدل الانسان بها . { هُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } . بعد أن ذكر اللهُ نعمته على الناس بتسخيرِ الدوابّ والأنعام ، شرع يَذْكُر نعمتَه عليهم بإنزالِ المطرِ والخلْق وتسخير الكونِ كلّه لهذا الإنسان . إن الذي خلقَ لكم الأنعام والخيلَ وسائرَ البهائم لمنافِعِكم ومصالِحِكم هو الذي أنزلَ المطر من المساءِ عذباً زلالاً تشربون منه وتسقون الشَجر والنبات . وهذا الشجرُ والنبات هو الذي تجعلون أنعامكم ترعاه وتمدّكم باللّبن واللّحم والأصواف والأوبارِ والأشعار والجلود . { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } . إن هذا الماء ينزله اللهُ من السماء بقدْرته فيحيي به الأرضَ وينبتُ لكم زرعكم المختلفَ من جميع أنواع الثمرات وتيجعله رِزقاً لكمن ونعمةً منه عليكم ، وحجةً على من كفر به . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } . ان فيما ذُكر من الآيات الداّلة على قدرة الله وما فيها من نعم لا تحصى لأدلّةً وحُجَجاً لقومٍ لهم عقول تفكّر ، بها يدركون حكمةَ الله ، ويفهمونها حق الفهم . قراءات : قرأ ابو بكر : " ننبت لكم " بالنون ، والباقون : " ينبت لكم " بالياء . { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ } . ومن نِعمة تعالى عليكم ان جعل لكم الليلَ مهَّيئاً لراحتكم ، والنارَ جعله مناسباً لِسعيكم وحركتكم وأعمالكم ، والشمس تمدّكم بالدفء والضوءِ ، والقمرَ لتعرفوا به عددَ السنين والحساب ، والنجوم مسخَّرات بأمر الله لتهتدوا بها في أسفاركم في ظُلمات البرّ والبحر . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } . إن في كلّ هذه النعمِ والدلائلِ لآياتٍ لقوم لهم عقول تدرك وتتدبّر ما وراء هذه الظواهر من قدرة . { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ } . ومن نعمه التي لا تُحصى عليكم ما خلقَ لكم في الأرضِ من أنواعِ الحيوان والنبات والجماد ، وجعل في جوفها من المعادن المختلفة الألوانِ والأشكال ، وجعلَ كلَّ ذلك لمنافِعِكم ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } ان في ذلك كله لأدلة واضحة لقوم يذكرون ولا ينسون . { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [ البقرة : 269 ] . قرأ حفص : " والنجوم مسخرات " بالرفع . وقرأ ابن عامر : " والشمس والقمر والنجوم مسخرات " بالرفع . والباقون " والشمس والقمر والنجوم مسخرات " كلها بالنصب . { وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } . ومن هذه النعمِ الكبرى نعمةُ البحر وما فيه من أنواع الحيوان ، فإن الله تعالى جعلَ هذا كلَّه للإنسان ليأكلَ منه ذلك اللحمَ الطريَّ الشهيّ ، ويستخرجَ من جوفه أنواعَ اللؤلؤ والمرجان حِيلةً جميلة تلبَسونها ايها الناس وتتلحَّوْن بها . { وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . وترى أيُّها الناظرُ تلك السفنَ تمخر عبابَ الماء وتشقّه … كلّ ذلك في خِدمتكم ، سخَّره الّلهُ لكم أيها الناسُ لتنتَفِعوا بما فيه ، وتطلبوا من فضلِ الله الرزقَ عن طريق التجارةِ وغيرها ، فلْتشركوا اللهَ على ما هيَّأ لكم وأنعمَ به عليكم . { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } وجعل في الأرض جبالاً ثابتة حتى لا تميل بكم وتضطربَ بما عليها . { وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } . وجعل في هذه الأرضِ أنهاراً تجري فيها المياهُ الصالحة للشرُّب والزرع ، وجعلَ فيها طُرُقاً ممهَّدة لتهتدوا بها في السَّير إلى مقاصدكم . { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } . وجعلَ لكم في هذا الكون علاماتٍ ودلائلَ يهتدي بها الساري ويسترشدُ في أثناء سيرِه ليلاً بالنجوم التي أودعَها اللهُ في السماء . بعد ان بيّن الله الدلائل على وجودِ الإله القادر ، الذي خلَقَ هذا الكونَ على أحسنِ نظام ، وان جميع ما في هذا الكونِ في خدمة الإنسان - أخذَ يردُّ على المشركين ويُبطل شِرْكَهم وعبادتَهم غيرَ الله من الأصنام والأوثان ، وأنهم عاجِزون لا يستطيعون ان يخلقوا شيئا فقال : { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } . أفمنْ يخلُق كلَّ هذه الأشياءَ التي مرَّ ذِكُرها وغيرها ، كمن لا يخلُق شيئاً لا كبيراً ولا صغيرا ، أتَعْمُون أيّها المشرِكون عن آثار قدرةِ الله فلا تعتَبروا وتشركوا الله عليها ! ؟ . ثم بعد ان نبّههم سبحانه إلى عظَمته وقدرته ، ذكَّر الناسَ بنعمه عليهم واحسانه فقال : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } . إنْ تحاولوا عدَّ نِعم الله عليكم فلن تستطيعوا احصاءَها لكثرتها … وأكثرُ النعمِ لا يدري بها الإنسانُ لأنه يألفُها فلا يشعر بها إى حينَ يفتقدها . إن الله لغفورٌ ، يستُرُ عليكم تقصيركم في القيام بشكرها ، رحيم بكم يُفيض عليكم نعمه . { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } . لا يخفى عليه شيء من سركم وجهركم .