Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 17-20)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المفردات : المِثل والمثَل كالشِبه والشَبه والشبيه ، يُستعمل في تمثيل حالة الشيء وبيانه . وللمَثَل وقع كبير مؤثر في الكلام . وقد اكثر القرآن من ضرب الأمثال { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } [ العنكبوت : 43 ] . شبّه الله حال المنافقين بقومٍ أوقدوا ناراً لتضيء لهم وينتفعوا بها ، فلما أنارت ما حولهم من الأشياء ذهب اللهُ بنورهم ، وترك موقديها في ظلماتٍ كثيفة لا يبصرون معها شيئاً . وذلك لأن الله تعالى قدّم لهم أسباب الهداية فأبصروا وعرفوا الحق بالإيمان ، ثم عادوا الى النفّاق والكفر . انهم لم يتمسكوا بهداية الله ، فصارت بصائرهم مطموسة بسبب نفاقهم وتذبذبهم ، فاستحقوا ان يبقوا في الحيرة والضلال . وهؤلاء كالصُمّ ، لأنهم فقدوا منفعة السمع ، إذ لا يسمعون الحق سماع قبولٍ واستجابة . وهم كالبُكم أي الخرس ، لأنهم لا ينطقون بالهدى والحق . كذلك هم كالذين فقدوا ابصارهم لأنهم لا ينتفعون بها ولا يعتبرون . لقد سُدت عليهم منافذ الهدى وظلوا حائرين في ظلمة الكفر والنفاق فهم لا يرجعون عن ضلالهم . وتبين حقيقتُهم في سورة المنافقين { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } . والله سبحانه وتعالَى لمّا وصفهم في الآية السابقة بأنهم اشتروا الضلالة لأنفسهم بالهدى الذي تخلّوا عنه مثّل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة لما حولها ، ومثل الضلالة التي اشتروها بذهاب الله بنورهم وبقائهم في ظلمات لا يبصرون . وهناك صورة اخرى للمنافقين ، وهي صورة مفزعة تبيّن حالهم في حيرتهم بعد كذبهم على الله والناس وعلى أنفسهم مثلَ قوم نزل عليهم " صيّب من السَماءِ : ، أي سحاب فيه مطر شديد ورعد وصواعق ، في ليلة مظلمة . لقد ارعدت السماء وأبرقت ، ولم يجد القوم ملاذاً يلتجئون اليه الا خداع أنفسهم . لقد أخذوا يجعلون أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا ، ويرتجفون خائفين من الموت لا يدرون الى اين يهربون . ذاك فَرَقهم من الرعد ، أما البرق الشديد الوهج فهو يكاد يخطف أبصارهم من شدته ، وكّلما أضاء لهم مشوا في ضوئه خطوات ، ثم يزول . واذا ذاك يشتد الظلام فيقفون متحيرين ضالين . هذه صورة ناطقة لحال المنافقين : تلوح لهم الدلائل والآيات فتبهرهم أضواؤها ، فيهمّون ان يهتدوا ، لكنهم إذا خلَوا الى شياطينهم من اليهود عادوا الى الكفر والنفاق . ولو أراد الله لأذهب أسماعهم وأبصارهم من غير إرعاد ولا برق ، فهو واسع القدرة لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، لكنه جاء بالصورة المذكورة تقريباً لغير المحسوس بالمحسوس ، ومن باب ضربِ المثل . انه مشهد عجيب ، حافل بالحركة ، مشوب بالاضطراب ، فيه تيه وضلال وفيه هول ورعب ، وفيه فزع وحيرة … والحقّ ان الحركة التي تغمر المشهد كلَّه لَتصوّر موقف الاضطراب والقلق والأرجحة التي يعيش فيها اولئك المنافقون . فيا له من مشهدٍ حيّ يرمز لحالة نفسية ، ويجسّم صورة شعورية . وهو طرف من طريقة القرآن العجيبة في تجسيم أحوال لنفوس كأنها مشهد محسوس .