Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 183-185)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الصيام : الامساك عن الطعام والشراب والنشاط الجنسي من طلوع الفجر الى غروب الشمس ايماناً واحتساباً لله تعالى . والصيام عبادة قديمة جاءت بها الاديان السابقة ، سماوية وغيرها . فقد كان قدماء المصريين يصومون ، ومثلهم اليونان والرومان . وكان صيام في الديانة اليهودية ، وورد في الأناجيل . ولا يزال الوثنيون من الهنود يصومون . ولذلك قال تعالى { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ … } ومعناه فُرض عليكم الصيام كما فرض على أهل المِلل قبلكم ، وذلك كيما يعدّكم الله للتقوى بترك الشهوات المباحة . بذلك تتربّى عندكم العزيمة والارادة على ضبط النفس وترك الشهوات المحرمة . فالصوم من اجلّ العبادات التي تهذب النفوس ، وتعوّدها ضبط النفس ، وخشية الله في السر والعلن ، لأن الصائم لا رقيب عليه سوى ضميره . هذا كما يتعود الانسان الشفقة والرحمة الداعيتين الى البذل والصدقة . أما الفوائد الصحية فإنها كثيرة جدا ، منها ان الصوم المعتدل يذهِب السمنة وهي من أشد الأخطار على الصحة في العصر الحاضر ويطهر الأمعاء من السموم ، وفوائد أخرى جليلة تُطلب في الكتب الطبية . { أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ … } اي أياماً معيَّنة ، وهي رمضان . فمن كان مريضاً أو مسافرا فان الله تعالى أباح له الافطار ، ثم يقضي صيام ما أفطر في وقت آخر . وعلى الذين يطيقون الصيام ، لكن بشدة افتداء إفطارهم باطعام مسكين . وذلك مثل الشيوخ الضعفاء والمرضى الذين لا يرجى برء امراضهم ، والعمال الذين معاشهم الدائم بالعمل الشاق ، والحبلى والمرضع اذا خافتا على ولديهما . فكل هؤلاء يفطرون ، ويطعمون مسكينا عن كل يوم ، ومن أوسط ما يطعمون أهليهم ، بقدر كفايته ، أكلة واحدة مشبعة . وخلاصة ما تقدم ان المسلمين امام الصوم أقسام ثلاثة : 1 ) المقيم الصحيح القادر على الصيام بلا ضرر ولا مشقة ، فالصوم عليه واجب ، واذا أفطر أخلّ بأحد أركان الاسلام . 2 ) المريض والمسافر ، ويباح لهما الافطار مع وجوب القضاء ، ولو كان السفر في البحر أو البر أو الطائرة . والمرض غير محدّد بل هو متروك للشخص يقدره . فقد روى طريف بن تمام العطاردي قال : دخلت على محمد بن سيرين في رمضان وهو يأكل ، فلما فرغ قال : وجعتْ اصبعي هذه . ومحمد بن سيرين من كبار العلماء المشهورين . وقال البخاري : اعتللت بنيسابور علة خفيفة ، في رمضان ، فعادني اسحاق بن راهويه في نفر من أصحابه فقال لي : افطرت يا أبا عبد الله ؟ قلت : نعم . فقال : خشيت ان تضعُف عن قبول الرخصة . وكما رخّص الله تعالى في المرض رخص في السفر . روى البخاري وغيره عن ابن عباس قال : " خرج رسول الله في سفر في رمضان والناس مختلفون فصائم ومفطر ، فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء فشرب نهاراً ليراه الناس " . وعن محمد بن كعب قال : أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً وقد رحلتْ راحلته ولبس ثياب السفر ، فدعا بطعام فأكل ، فقلت له : سُنّة ؟ فقال : سنة ، ثم ركب . رواه الترمذي . وهذا من تمام نعمة الله على عباده وسيره بهم في طريق اليسر والسهولة ، فلا ينبغي لمؤمن ان يضيق صدره برخَص الله ، فان الله يحب ان تؤتى رخصه ، انه بعباده رؤوف رحيم . 3 ) الشيخ الكبير ومن يماثله ممن يشق عليهم الصوم لسبب من الأسباب التي لا يرجى زوالها . وهؤلاء أباح الله لهم ان يفطروا ، وكلّفهم بالاطعام بدلاً عن الصوم . ومن تطوع فزاد في الفدية فذلك من عنده وهو خير له . وفي حكم ما ذكرنا من الشيخوخة والمرض ما يزاوله بعض العمال والصناع من أعمال تكاد تكون مستمرة طوال العام ، ويشق عليهم الصوم معها مشقة عظيمة . فاذا تعينت هذه الأعمال سبيلاً لعيشهم بأن لم يجدوا سواها ، أو لم يحسنوا غيرها فلهم ان يفطروا ويطعموا عن كل يوم مسكينا . { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ … } . { يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ … } . ثم بين الله تعالى الايام المعدودات بأنها أيام شهر رمضان الجليل القدر عنده ، والذي أُنزل فيه القرآن ليهدي جميع الناس الى الرشد ببياناته الواضحة الموصلة الى الخير . فمن أدرك هذا الشهر سليماً معافى مقيماً غير مسافر فيجب عليه صومه . ومن كان مريضاً أو مسافرا فله ان يفطر . وقد بين لكم الله شهر الصوم لتكملوا عدة الأيام التي تصومونها ، ولتكبّروا الله على ما هداكم اليه من الأحكام التي فيها سعادتكم في الدنيا والآخرة ، ولعلكم تشكرون له نعمة كلها . القراءات : قرأ عاصم برواية أبي بكر " ولتكمّلوا العدة " بالتشديد . وقرأ ابن عامر برواية ذكوان ونافع " فدية طعام مسكين " باضافة فدية الى طعام ومساكين بالجمع . وقرأ عامر برواية هشام " فدية طعام مساكين … " بدون اضافة .