Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 65-76)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فأَوجسَ في نفسه خيفةً : أحس بالخوف . انت الاعلى : المنتصر . ما في يمينك : هي العصا . تلقف ما صنعوا : تبتلع كل حبالهم وعصيّهم . حيث اتى : اينما كان . انه لكبيركم الذي علّمكم السحر : ان موسى لَزعيمكم الذي علّمكم السحر . من خلاف : وذلك ان تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى مثلا . لن نُؤْثرك على ما جاءنا : لن نفضلك على الايمان الذي حصلنا عليه . فَطرنا : خلقنا . فاقض ما انت قاض : اعمل ما تريد . تزكى : تطهر . بعد ان اتفقوا على الموعد وهو يومُ الزينة ، جاؤا مصطفين مستعدّين أتم استعداد وسألوا موسى وخيّروه بين أن يبدأ فيُلقي عصاه ، او يكونوا هم البادئين . قال موسى : بل ابتدئوا ، ألقوا ما عندكم . فألقوا حِبالهم وعصَّيهم فاذا هي افاعٍ تسعى . وخُيّل لموسى أنها حقيقة من شدة سحرهم ، واحس بالخوف لِما رآه من أثر السحر . فأدركه الله بلطفه فأوحى اليه قائلا : { لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } لا تخشَ شيئا ، إنك انت الغالب المنتصر على باطلهم . ألقِ العصا التي بيمينك فإنها تبتلع ما زوّروا من السحر ، فليس الذي فعلوه إلا كيد ساحر . وكانت صنعة السحر هي الغالبة في ذلك الزمان ، وكانوا يضعون الزئبق بطريقة خفية في الحبال والعصي ، فعندما تتأثر بحرارة الشمس ( وجوُّ مصرَ حارٌّ ) تضطرب الحبال وتتحرك فيظنُّ من يراها أنها تسعى . فلا تخفْ يا موسى ، فالساحر لا يفلح , وامتثل موسى أمر ربه ، والقى عصاه فاذا هي حيَّة تسعى . بل إنها اخذت تلقف ما زوّروه من حبال وعصي وتبتلعها . فلما رأى السحرة تلك المعجزة آمنوا بموسى وربه وسجدوا لله قائلين : { آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ } وعلموا أن ما جاء به موسى ليس سحرا . وقال رئيس السحرة : كنا نغلِب الناسَ بالسحر ، فلو كان هذا سحرا فأين الذي ألقيناه من حبال وعصي ، أين ذهبت ؟ ما هذه العصا الصغيرة التي تأكل كل ما عندنا ؟ ان هذا ليس سحرا ، انما هو شيء آلهي خارق للعادة ؟ ولذلك آمنوا وخرّوا ساجدين . قال صاحب الكشّاف : سبحان الله ، ما أعجبَ أمرهم ، قد القوا حبالهم وعصيَّهم للكفر الجحود ، ثم ألقوا رؤوسَهم ساعةٍ للشكر والسجود ! ! وقال ابن عباس رضي الله عنه : كانوا اول النهار سحَرة ، وفي آخره شهداء بررة ، لأن فرعون قتلهم . ولما خاف فرعون أن يصير إيمانهم سبباً لاقتداء الناس بهم في الإيمان . { قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } . قال فرعون : كيف تؤمنون به دون إذنٍ مني ؟ إنكم تلاميذُ موسى في السحر وهو كبيركم الذي علمكم إياه ، وليس عمله معجزةً كما توهمتم . ثم هددهم بالقتل والتعذيب تحذيراً لغيرهم من الاقتداء بموسى وهارون : فقال : { فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ } . وأقسم إني لأقطعنّ من كل واحدٍ منكم يدَه ورجلَه المختلفتين ، يده اليمنى ، ورجله اليسرى . ولم يكتفِ بذلك بل قال : { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } . زيادة في التعذيب والإيلام ، وتشهيرا بهم . ولاجعلنكم مُثْلَةً يتعجّب منها الناس . ثم يزيد استعلاء بقوته وجبروته فيقول : { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } . وسوف ترون من هو الذي يكون أشدَّ عذاباً ، انا ، أم آله موسى وهارون ؟ لم يكن يعلم أنه فاتَ الاوان ، وان الايمان قد بلغ ذِروتَه في قلوبهم ، وهانت عليهم نفوسُهم في الله ، فلن يأبهوا لوعيده وتهديده ، فأجابوه مطمئنين : { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَا } . اراد فرعون من السحرة ان يرجعوا عن إيمانهم ، فثبتوا عليه ، ودفعوا تهديده بقولهم : لن نختارك على ما جاءنا من الهدى ، وعلى خالِقنا الذي فطرنا وانشأَنا من العدم . { فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ … } افعل ما تريد ، إن سلطانك وحكمك لا يتجاوز هذه الحياة الدنيا . آمنّا بربنا الحق ، ليغفرَ لنا ما سلف من الخطايا ، وعن ممارسة السحر الذي أكرهتَنا على تعلُّمه والعملِ به . { وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } خيرٌ منك يا فرعون ومن ثوابك ، وأبقى منك سلطانا وقدرة . ثم ختم السحرة كلامهم بهذه الآيات التي تبيّن حال المجرمين ، وحال المؤمنين يوم القيامة وما ينتظر كلاً منهم . { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } . إن من يلقى الله وهو مجرم بكفره يكون مصيره الى جهنم لا يموت فيها فينتهي عذابه ، ولا يحيى حياة طيبة ينتفع فيها بالنعيم . { وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ ٱلصَّالِحَاتِ فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَاتُ ٱلْعُلَىٰ } . أما من يلاقي ربه على الإيمان وصالح الاعمال ، فله المنازل الرفيعة ، والدرجاتُ العالية . ثم فسر تلك المنازل والدرجات بقوله : { جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ } . تلك المنازل هي جنات الاقامة الدائمة ، في نعيمٍ خالد ، تجري بين اشجارها الأنهار ، وذلك الفوز الذي أوتوه جزاءٌ لمن طهّر نفسه من الكفر بالايمان والطاعة والاعمال الصالحة . قراءات : قرأ حفص : تلقفْ بفتح القاف وسكون الفاء . وقرأ ابن عامر : تلقّفُ : بتشديد القاف ورفع الفاء . والباقون : تلقف : بتشديد القاف وسكون الفاء . وقرأ حمزة : كيد سحر . والباقون كيد ساحر . قرأ حفص وابن كثير وورش : آمنتم ، فعل ماض على انه خبر . وقرأ الباقون : أآمنتم بهمزتين .