Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 30-36)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

رتقا : ملتئمتين . ففتقناهما : ففصلناهما . رواسي : جبالا ثابتة . تميد : تضطرب وتتحرك . فجاجا سبلا : الفجاج واحدها فج : المكان المنفرج ، والسُبل واحدها سبيل : وهو الطريق الواسع . في فلك : في دائرة بهذا الكون الواسع . نبلوكم : نختبركم . لقد ذكر الله هنا ستة أدلة تثبت وجودَ الخالق الواحد القادر ، ولو تدبَّرها المنصِفون ، وعقَلَها الجاحدون ، لم يجدوا مجالاً للإنكار . الأول : { أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا } . أولم يعلم الذين كفروا ولم يبصروا الحق ، أن السماواتِ والأرضَ كانتا في بدء خَلْقِهما ملتصقتين في صورة كتلة واحدة ففصلناهما حتى صارتا في هذا النظام ! وهو ما يسمونه : النظام الشمسي ، ويتكون من الشمس ، يدور حولها تسعة كواكب سيارة هي : عطارد ، والزُّهرة ، والأرض ، والمريخ ، والمشتري ، وزحَل ، وأورانوس ، ونبتون ، وبلوتو ، وعدد من الأقمار يدور حول كل من هذه الكواكب . ويدخل ضمن هذه الأسرة عدد من الاجسام الصغيرة تقع بين مداري المريخ والمشتري ، وتدور حول الشمس كسربٍ من الطير ، ومن بينهما المذنّبات ، والشُهُب التي نرى الكثير منها يتهاوى في الليل نحو الأرض ، ويتمزّق عند احتكاكه بالغلاف الجوي المحيط بها . أما بقية الأجرام التي نراها في السماء ليلاً تزين سطح القبة السماوية فهي النجوم ، وهي شموس لا حصر لها ، والكثيرُ منها يَكْبُرُ شمسَنا . وهي بعيدة جدا لا نستطيع الوصول اليها بكل ما لدينا من وسائل حديثة ، والبحث فيها يطول . ولعلماء الفلك نظريات عديدة في كيفية انفصال هذه الأجرام عن بعضها البعض ، لكن هذا الموضع ليس موضع بحثه . والقرآن الكريم كتاب يهدي الانسان الى سعادته في دنياه وآخرته وليس كتاب نظريات في الفلسفة والعلم والفلك وغيره ، وان كان ما يرِدُ فيه لا يخالف أحدث نظريات العلم والفلك ، واكبر دليل على ذلك هذه الآية العظيمة . الثاني : { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } . وخلقنا من الماء كلَّ ما في هذا العالَم من حياة ، فالماء مصدر الحياة لكل نامٍ ، إنساناً كان او حيواناً او نباتا ، فهل بعد كل هذا يعرضون ، فلا يؤمنون بانه لا اله الا الله ! وتقرر هذه الآية حقيقةً علمية ثابتة ، وهي ان الماء هو المكوِّن الهام في تركيب مادة الخلية ، وهي وَحْدة البناء في كل كائن حيّ . ولقد اثبت علم الكيمياء الحيوية ان الماء لازم لحدوث التفاعلات والتحولات التي تتم داخل اجسام الأحياء . وأثبت علم وظائف الاعضاء ان الماء ضروري لقيام كل عضو بوظائفه التي بدونها لا تتوافر له مظاهر الحياة ومقوماتها . الثالث : { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ } . وجعلنا في الأرض جبالاً ثوابت لئلا تضطرب بمن عليها من الخلق ، وجعلنا فيها طرقاً فسيحة ، ومسالكَ واسعة ، لكي يهتدوا بها في سيرهم الى أغراضهم . وقد ثبت ان توزيع اليابس والماء على الأرض ، ووجودَ سلاسل الجبال عليها - يحقق الوضع الذي عليه الأرض من التوازن ، فالجبالُ ذات الجذور الممتدة في داخل القشرة الارضية الى اعماق كبيرة تتناسب مع ارتفاعها ، فهي كأنّها أوتاد . وبهذا الترتيب تتوزع الأوزان على مختلف جوانب الكرة الارضية . وهذه المعلومات معجزة في الآية ترشِد الى ان القرآن وحيٌ يوحى ، لأن احداً لم يكن يعلم عن هذه المعلومات شيئا في العصر الذي نزلت فيه . ولما ارتفعت الجبال حدثت السهول والأودية والممرات بين الجبال وشواطىء البحار والمحيطات والهضاب ، وكانت سُبلاً وطرقا . وهذا هو الدليل الرابع حيث يقول الله تعالى : { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } . وجعلنا في الارض طرقاً بين جبالها يسلكها الناس من قُطر الى قطر ومن إقليم الى آخر ، ليهتدوا بذلك الى مصالحهم وأمورهم في هذه الحياة الدنيا . الخامس : { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } . وجعلنا السماءَ فوقهم كالسقف المرفوع ، وحفظناها من أن تقع كما في الآية الاخرى : { وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ الحج : 66 ] . او يقع ما فيها عليهم ، وهم مع ذلك منصرفون عن النظر في آياتنا الدالَّة على قدرتنا وحكمتنا . فالآية تقرر أن السماواتِ وما فيها من أجرام محفوظةُ بكيانها متماسكةٌ لا خلل فيها ، وفق نظام بديع لا يتخلف ولا يتبدل . وقد جعل الله لهذه الأرض غلافاً جوياً يحفظها ويمنع الاشعاعات الضارة من أن تصل إليها ، وجعل فوق الغلاف الجوي أجرام السماء على أبعاد مختلفة تحتفظ بنظام دورانها وكيانها منذ القدم وإلى ما شاء الله . والدليل السادس قوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } . والله خلق لكم الليلَ والنهار نعمةً منه عليكم فهما يختلفان عليكم لصلاح معايشكم وأمور دنياكم ، وخلَقَ الأرض والشمس والقمر تجري في افلاكها ، لكل جرم سماوي مدارُه الخاص يسبح فيه . وأجرام السماء كلها لا تعرض السكون ، وتتحرك في مدارات خاصة . بعد ذكر هذه الأدلة على وجود الخالق الواحد القادر ، بيّن سبحانه وتعالى في كتابه للناسِ أن هذه الدنيا لم تُخلَق للخلود والدوام ، وانما للابتلاء والامتحان ، ولتكون وسيلةً الى الآخرة التي هي دار الخلود فقال : { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } . وما جعلنا لأحدٍ من البشر قبلك ايها النبي الخلود في هذه الدنيا ، فكل من على هذه الأرض ميت ، كما قال تعالى ايضا : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } إفإنْ متَّ فهم يخلُدون في هذه الحياة ! ! . نزلت هذه الآية لما تضايق كبراء قريش من الرسول الكريم فقالوا : نتربّص به الموتَ فنستريح منه . ثم اكد الله الأمرَ وبيّن انه لا يَبقى أحد في هذه الدنيا فقال : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } . كل نفس لا بد ان تذوق الموت ، إنما نعاملكم في هذه الحياة معاملة المختبِر بما يصيبكم من شر او خير ، ونعلم الشاكر للخير والصابر على البلاء . . إلينا مرجعُكم فنحاسبكم على أعمالكم . والكثيرُ من الناس يصبرون على الابتلاء بالشرّ من مرضٍ او فقر او غير ذلك ، لكن القليل القليل منهم يصمد أمام الابتلاء بالخير ، ولا تبطره النعمة ، ويقوم بحقها خير قيام ، ويصبر على الإغراء بالمناصب والمتاع والثراء . روى مسلم في صحيحه ان الرسول الكريم قال : " عجباً لأمر المؤمن إنّ أَمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمنين ، إن اصابتْه سرّاء شَكَرَ فكان خيراً له ، وان اصابته ضرّاء صَبَرَ فكان خيرا له " { وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ } . واذا رآك المشركون ايها النبي يسخرون منك ويستهزئون ، لأنك سفّهت أحلامهم وأتيتهم بالدِّين القويم ، ويقول بعضهم لبعض : اهذا الذي يذكر آلهتكم بالعيب ! وكيف يعجبون من ذلك وهم كافرون بالله الذي خلقهم وأنعم عليهم !