Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 11-20)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الإفك : الافتراء ، والفعل أفَك يأفِك مثل ضرب يضرب ، وأفِك يأفَك : مثل علم يعلم . وأفك الناسَ : كذبهم . العصبة : الجماعة . تولى كبره : تحمل معظمه . إفك مبين : كذب ظاهر . لولا : بمعنى هلا . أفضتم فيه : خضتم فيه . اذ تُلقون بألسنتكم : اذ تتلقون الافك ويتناقله بعضكم عن بعض . بهتان عظيم : كذب محير لفظاعته . تشيع : تنتشر . الفاحشة : الزنا ، وكل امر قبيح . { إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . نزلت هذه الآيات العشر في شأن عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، حين رماها أهلُ الافك والبهتان من المنافقين ومن انضمّ اليهم من بعض المؤمنين بما قالوه من الكذب والافتراء . وكان القصدُ من ذلك إيذاءَ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في أحبّ نسائه اليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآيات لبراءتها . وهذا باتفاق المفسرين والرواة من جميع الطوائف والمذاهب الاسلامية إلا من شذ . وقد روى حديثَ الافك عددٌ من العلماء في مقدمتهم البخاري عن السيدة عائشة وابن الزبير ؛ وام رومان ام السيدة عائشة ؛ وابن عباس وابي هريرة وابي اليسر . كما رواه عدد من التابعين . والحديث طويل من أراده فليرجعْ الى صحيح البخاري وسيرة ابن هشام وغيرهما . وخلاصته : ان الرسول الكريم كان إذا اراد سفراً عمل قُرعةً بين زوجاته ، فالتي تخرج قرعتها أخذها معه . وفي سنة ستٍ من الهجرة ( كما حدّدها ابن هشام في السيرة ) خرج الرسول الى غزوة بني المصطَلِق وأخذ السيدة عائشة معه . فلما انتهى من الغزوة رجع ، تقول السيدة عائشة : " حتى اذا قَفَلْنا ودنونا من المدينة ، نزلنا منزلا . ثم نوديَ بالرحيل في الليل ، فقمتُ لأقضي حاجة ، ومشيتُ حتى جاوزتُ الجيش . فلما قضيت شأني أقبلت الى رحلي فلمست صدري فاذا عِقدي قد انقطع . فرجعتُ ألتمسه . فحبَسَني ابتغاؤه . وجاء الذين توكلوا بهَوْدَجي فاحتملوه ووضعوه على بعيري وهم يحسبون اني فيه لخفّتي في ذلك الوقت . ورحَلَ الناس . وبعد ان وجدت عقدي جئت الى منزل الجيش فلم أجد أحدا ، فجلست في مكاني وأنا أعلم أنهم سوف يفتقدونني ويعودون في طلبي . فبينما أنا جالسة في مكاني غلبتني عيني فنمت . وكان صفوانُ بن المعطّل السُّلَمي قد تخلف عن الجيش ، فلما رآني عرفني ، فاستيقظت على صوته وهو يقول : إنا لله وانا اليه راجعون . فخمَرتُ وجهي بجلبابي ، وواللهِ ما تكلّمنا بكلمة ولا سمعت منه غير استرجاعه . ثم أناخ راحلته فقمتُ إليها فركبتها ، وانطلق يقود بي الراحلة حتى ادركنا الجيشَ عند الظهر وهم نزول . وكانوا قد افتقدوني وماج القوم في ذكري . فبينما الناس كذلك إذ وصلتُ عندهم . " وبعد وصولهم الى المدينة ، بدأ الناس يتهامسون : ما بالُ عائشة تأخرتْ عن الجيش ، وجاءت مع صفوان على بعيره ، وصفوان شاب وسيم الطلعة مكتمل القوة ! وقاد هذه الحركة وتولّى كِبرها رأسُ المنافقين عبدُ الله بن أبَيّ وبعض المؤمنين سيأتي ذكرهم وعددٌ من المنافقين . وبلغ النبيَّ الخبرُ ، واضطرب له . وبعد مدة بلغ السيدة عائشةَ الخبر . وهاج الناس وماجوا واضطربت المدينة لهذا الخبر ، وبقيتْ كذلك مدة شهر إلى ان نزلت هذه الآيات تبرىء السيدة عائشة وتحسم الموضوع حسماً كاملا . ان الذين اتهموا عائشةَ امَّ المؤمنين بالزنا هم جماعة من كبار الكذّابين المفترين ، وهم من المنافقين الموجودين بينكم ، لا تظنوا هذه الحادثة شراً لكم بل هي خير لكم ، لأنها ميزت المنافقين من المؤمنين ، واظهرت كرامة المبَّرئين منها ، ولكل امرىء منهم جزاؤه على مقدار اشتراكه في هذه الجريمة . { وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ورأسُ الكفر والمنافقين عبدُ الله بن أبيّ هو الذي قاد هذه الحركة وتولى معظمها - له يوم القيامة عذابٌ عظيم . وقد انساق معه بعض المؤمنين منهم حسّان بن ثابت ومِسطَح بن اثاثة وهو أقارب ابي بكر الصديق ، وحمنة بنتُ جحش أختُ زينب أم المؤمنين . ولما نزلت آية البراءة أمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بجَلْدِهم . { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } . كان مقتضى الإيمان ان تظنوا بمن اتُّهم خيرا عند سماعِ هذه التهمة ، وكان عليكم ان تقولوا هذا كذبٌ واضح لا يصدَّق . ثم علل سبحانه كذب الآفكين ووبخهم على ما اختلقوه واذاعوه فقال : { لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } هلاّ جاء الخائضون في الإفك بأربعةِ شهداءَ يشهدون على ثبوت ما قالوه ، فإن لم يستطيعوا فهم الكاذبون فيما اتَّهموا به عائشة . { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ولولا تفضُّلُ الله عليكم ببيان الأحكام ، ورحمتُه لكم في الدنيا بعدم التعجيل بالعقاب ، وفي الآخرة بالمغفرة - لنزل بكم عذابٌ عظيم على هذه التهمة الشنيعة . { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ } . فقد تناقلتم هذه التهمةَ بألسنتكم وأشعتُموها بينكم ، وتخوضون فيما لم يكن لكم علمٌ بصحته ، وتحسَبون ان هذا الأمر هين بسيطٌ لا يعاقِب الله عليه ، مع أنه أمرٌ خطير عظيم يعاقِبُ عليه الله اشد العقاب . { وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } كان عليكم أن تقولوا حين سمعتموه : إن هذا كذِبٌ واختلاقٌ كبير ، وأن تنصحوا بعدمِ الخوض فيه … لأنه غير لائق بكم ، وأن تقولوا متعجِّبين من هول هذه الفِرية : سبحانك يا ربّ ، نحن ننزهك ، إن هذا كذبٌ عظيم . ثم حذّر الله المؤمنين أن يعودوا لمثل هذا فقال : { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } يعِظُكم الله بهذه المواعظ وينهاكم ان تعودوا لمثل هذه المعصية ابدا ، ان كنتم مؤمنين حقّاً ، لأن هذه الأعمال تتنافى مع الإيمان الصادق . { وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ويفصّل الله لكم في كتابه الآياتِ الدالةَ على الأحكام ومحاسن الفضائل والآداب ، واللهُ واسعُ العلم لا يغيب عنه شيءٌ من أعمالكم وهو الحكيم في كل ما يشرع ويخلق . { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } . ان الذين يحبّون ان يُفشوا القبائح ويتهمون بها المؤمنات لهم عذاب مؤلم في الدنيا بالعقوبة المقررة ، وفي الآخرة بالنار ، واللهُ عليم بجميع أحوالكم وأنتم لا تعلمون ما يعلمه . { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } ولولا فضل الله عليكم ورحمته بكم ، لَما بيَّن لكم الأحكامَ ولعَجَّلَ عقوبتكم في الدنيا وكنتم من الهالكين .