Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 39-42)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
السراب : ظاهرة ضوئية سببُها انعكاس الشعاع من الأرض عندما تشتد حرارة الشمس فيظنه الانسان ماء يجري ويتلألأ على وجه الأرض ، وما هو الا وهمٌ لا حقيقة فيه . القيعة : مكان منبسط من الارض لا نبات فيه ويقال لها القاع ايضا . لُجّيّ : اللج معظم الماء حيث لا يدرَك قعره ، وبحر لجي : عميق . يغشاه : يغطيه . لم يكد يراها : تصعب رؤيتها . صافات : باسطة اجنحتها في الهواء . المصير : المرجع . { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُم كَسَرَابٍ … } في هاتين الآيتين يبين الله في مقابل ذلك النورِ المتجلِّي في السماوات والأرض ، المشعّ في بيوت الله والمشرِقِ في قلوب المؤمنين - مجالاً مظلما لا نور فيه ، مخيفاً لا أمن فيه ، ضائعاً لا خير فيه … ذلك هو حال الذين كفروا . فَمَثَلُ اعمالهم في بطلانها وعدم جدواها كمثل السرابِ الذي يراه الظمآن في الفلاة في شدة حرارة الشمس فيسرع إليه ، حتى إذا وصله لم يجد الماء الذي رجا ان يشرب منه … { وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } يعني ان كل ما عمله هذا الجاحدُ من أعمال خيرٍ تذهب هباء منثورا ، وفي يوم القيامة يحاسبُه الله ويوفّيه جزاءه وعقابه . فلا يستفيد من أعماله شيئاً ، لأنه لم يؤمن بالله والبعث والجزاء . وكما قال تعالى : { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [ الفرقان : 23 ] { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ … } وهذه صورة أخرى من صور حال الكفار الجاحدين . فأعمالُ الكافرين في الدنيا كمثل السراب الذي ليس بشيء ، او كهذه الظلمات في البحر العميق ، تتلاطم امواجُه ويتراكم بعضها فوق بعض . ومن فوقِ ذلك كله سحابٌ كثيف مظلم لو رفع الإنسان يدَه الى وجهه لما رآها من شدة الظلام . ان قلوب الكافرين وأعمالَهم مثلُ هذه الظلمات المتراكمة تراكمت عليها الضلالات ، فهي مظلمة ، في صدور مظلمة ، في اجساد مظلمة . ولقد جمع الله تعالى في هذا الوصف بينَ الليل المظلم ، وتراكُب الأمواج في البحر بعضها فوق بعض ، ومن فوقها السحاب الكثيف … وهذا أشدُّ ما يكون من الظلمات . وتجمع هذه الآية الكريمة أهم ظواهر عواصف المحيطات العظيمة . وهذا من أكبرِ الأدلة على ان القرآن من عند الله ، لأن الرسول الكريم لم يركب المحيطاتِ وكان يعيش في بلاد صحراوية … فورودُ هذه الدقائق العلمية دليل على أنها وحي من عند الله . { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } ومن لم يوفقه الله لنورِ الإيمان ، فليس له نور يهديه الى الخير ، ويدلّه على الصراط المستقيم . { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلطَّيْرُ صَآفَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } ألم تعلم ايها النبي أن جميع من في هذا الكون يسبِّح بحمد الله تعالى ، وان تسبيحَ كل صنف يختلف باختلاف صفاته وخصائصه ، وكلٌّ يسبّح بدلالة وجوده وصورته وأحكامه على وجود المصوّر الحكيم ، فالعاقل يسبّح بلسان المقال ، وغيره يسبّح بلسان الحال ، والطير صافات باسطةً أجنحتها في الفضاء تسبّح الله وتحمدُه بلغاتٍ لا نعملها . واعلم أن هذا الوجودَ كلَّه حيّ ، ولا معنى للوجود بغير حياة ، وان الحياة على مقدار إشراق الأنوار العلوية على المخلوقات ، فللانسان وللحيوان وللنبات حياة ، أي ان هناك نوعاً من الشعور . وهكذا الجماد له نوع من الشعور لا ندركه . وكل هذه المخلوقات تسبح بحمده تعالى . { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } والله تعالى هو مالكُ هذا الكون ومن فيه وصاحبُ السلطان عليهم ، وكلُّهم راجعٌ إليه يوم القيامة للحساب والجزاء .