Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 12-19)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لقمان : عرف العرب بهذا الاسم شخصين احدهما لقمان بن عاد وكانوا يعظّمون قدره في النباهة والرياسة والدهاء . واما الآخر فهو لقمان الحكيم الذي اشتهر بحكَمه وامثاله . وهو المقصود هنا ، وسُميت السورة باسمه ، وقد كانت حِكمه شائعة بين العرب . ويقول بعض المفسرين إنه نبي ، وآخرون يقولون انه حكيم آتاه الله الحكمة والعقل والفطنة . وأورد الامام مالك كثيرا من حِكمه في كتابه " الموطأ " ، ويقال انه كان اسود من سودان مصر او من الحبشة او النوبة . الحكمة : العلم مع العمل ، وكل كلام وافق الحقَّ فهو حكمة . وقيل الحكمة : هي الكلام المعقول المصون عن الحشو ، وقال ابن عباس الحكمة : تعلُّم الحلالِ والحرام . وقال الراغب : الحكمة : معرفة الموجودات وفعل الخيرات . وقال الرسول الكريم : " ان من الشعر لحكمة " يعني كلاما صادقا . وقال تعالى { وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْـمَةِ } الخ … يعظه : يذكّره بالخير وعمله . الوهن : الضعف . الفصال : الفطام . جاهداك : بذلا جهدهما لتكفر معهما . أناب : رجع . مثقال : وزن . مثقال حبة من خردل : شيء صغير جدا . لطيف : يصل علمه الى كل شيء خفي . خبير : عليم بكنْه الاشياء وحقائقها . من عزْم الأمور ، العزم : عقدُ القلب على إمضاء الأمر ، من عزم الامور : من الأمور المؤكدة . لا تصعّر خدك : لا تتكبر ، وغالبا ما يمشي المتكبر وهو مائل الوجه مبديا صفحة وجهه عنهم . ولا تمشِ في الأرض مرحا : مختلا بطِرا . مختال فخور : يمشي الخيلاء ويفخر على الناس ويتباهى بماله وجاهه . واقصِد في مشيك : توسط واقصد في مشيك . واغضض من صوتك : اخفض منه ولا ترفعه . أَنكرُ الاصوات : اقبحها . { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } . لقد منحْنا لقمانَ الحكم والعلم والاصابة في القول ، وقلنا له اشكرِ الله ، ومن يشكر فان فائدةَ ذلك الشكر عائدةٌ اليه ، ومن جَحَدَ نعمةَ الله فإنه غنيّ عن شكره غير محتاج اليه ، محمود في ذاته . واذكر ايها الرسول الكريم لَمّا قال لقمانُ لابنه وهو يعظه ويذكّره : يا بنيّ لا تشركْ بالله أحدا ، إن الشِركَ ظلمٌ عظيم لما فيه من وضع الشيء في غير موضعه . ثم بعد ان ذكر الشِرك وما فيه من شفاعة أتبعه بوصية الولد بوالديه ، لكونهما السببَ في ايجاده فقال : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ … } أمرناه ببرّهما وطاعتهما ، والقيام بحقوقهما لأنهما تعبا في تربيته … لقد حملته أمه في بطنها ، وما زالت تضعف كلما مرت الأيام ضعفاً على ضعف حتى وضعتْه ، ثم أرضعتْه عامين وفطمته ، وكل ذلك ببذل جهود عظيمة ، فاشكر لي ايها الانسان ولوالديك وأحسنْ إليهما فإليَّ الرجوع لا الى غيري . { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } ما أحلى هذا الكلام ! فإن كانا كافرين ، وحاولا ان تكفر أنت بالله فلا تطعمها ، ومع ذلك يجب عليك ان تبقى باراً بهما ، تصاحبهما بالمعروف والاحسان والعطف . اما من جهة الدين : { وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } إن عليك ان تتبع طريقَ الهدى ، وطريق من تاب الى الله ، ومصيركم جميعاً اليّ بعد مماتكم فأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من خير او شر . ثم عاد الى ذكر بقية وصايا لقمان لابنه فقال : { يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } . يا بنيِّ ، ان الله لا يَفلِتُ من حسابه شيء ، إن الخصلةَ من الإحسان أو الاساءة إن تكن وزنَ حبة خردلٍ تائهة في وسط صخرة او في السماوات او في الأرض - يأتِ بها الله ويُحضرها يوم القيامة حين يضع الموازينَ بالقسط . ان الله لطيف يصل علمه الى كل خفي ، خبير يعلم ظواهر الأمور وبواطنها . { يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ … } يا بني حافظْ على الصلاة ، وأْمر بكل حَسَن ، وانهَ عن كل قبيح ، واحتملْ ما أصابك من الشدائد ، فان المحافظة على الصلاة والصبرَ على الشدائد من عزم الامور … بدأ هذه الوصيةَ بالصلاة وختمها بملازمة الصبر لأنهما من أعظمِ ما يستعان بهما كما قال تعالى : { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ } [ البقرة : 45 و 153 ] . وبعد ان أمره بعمل اشياء خيرة ، حذّره من أمور غير مستحسَنة وأدّبه خير تأديب فقال : { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ } . إنها حِكم تُكتب بماء الذهب … لا تتكبر وتُعرِضْ بوجهك عن الناس ، ان الله لا يحب المتكبرين . وامشِ بهدوء ، وتوسَّط في مشيك بين السرعة والبطء ، ولا ترفع صوتك لأن اقبح ما يُستنكر من الأصوات هو صوت الحمير .